الفطر الحكيم🍄

الفطر الحكيم

إكسير الحياة هكذا يسميه الصينيون، ولحم الآلهة عند الأزتيك

يخرج من قلب العتمة بلا سابق إنذار، ينمو في الهامش، على جذع شجرة ميتة أو تحت صخرة أو بين الأعشاب القصيرة المبلولة، يبحث عن الوجود ويبعثه.

عندما يموت أي كائن حي في الغابة، فإنه يتحلل وينبت في مكانه الفطر، فكأنه يعيد الحياة بشكل تحويلي.

الفطر يسبب السعادة، ويمتلك قيمة غذائية

كائن لا يشبه الكائنات

كائن غريب له طاقية ملساء

كائن غامض، لا تدري هل هو يراك أو يسمعك!

وأيضاً ماذا يحيك لك؟

فكما أنه يؤكد الحياة بعد الموت، فهو سام وقاتل في بعض الأحيان.

له جذع دقيق ولين، ويشمل أكثر من مئة ألف نوع، بل وأكثر بكثير.

الفطر يساعد الجسم على التكيف مع الإجهاد

يكفل المزيد من التوازن لذلك أحبه

يتدخل في العمليات الداخلية الكيميائية لاستقرار الحياة.

للفطر علاقة روحية بالإنسان، فهو مرشد حكيم، ويمتلك قدرات تحويلية على جميع المستويات لذلك قبل أن أصف هذه العلاقة سأحدثك قليلًا عن علاقة الفطر بالأرض والجو والبحر والبيئة كتمهيد بسيط للعمق الروحي:

الفطر وُجد قبل الإنسان، تاريخه مليار سنة، أنواعه تفوق المئة ألف، وتزيد كما ذكرت لك.

ينمو بطريقة غريبة، فهو لا يعتمد على امتصاص أشعة الشمس مثل النباتات، ولا يعتمد على أكل الكائنات مثل الحيوانات، بل يمتلك إنزيمات عالية تهصر وتتغذى على الخلايا الحية في المحيط.

والعجيب أن الفطر لا يهضم من الداخل، بل من الخارج!

إنه يهجم على الأجسام فيحللها

يعلق بجلد الضفدع، فيقضي عليه تدريجيًا

يوجد في معدة البقرة مثلًا ليساعدها على الهضم.

عندما يغزو البلاستيك والمواد الكيماوية السامة الهواء، وتتعرض الحياة للخطر، فإن تغطية الخراطيم المملوءة بالقش بشيء من الفطر المحاري الشائع "الميسيليوم" يساعد على استعادة الموائل الطبيعية للحياة، ويقوم بتحويل المخلفات السامة إلى فطريات.

وعندما تندلع الحرائق في الغابات، فإن الفطر يساعد على استعادة النظم الإيكولوجية، وييسر عودة أعمال النظام البيئي، ويعين على امتصاص الكربون من الجو، إنه يتدخل في تكوين الحياة الصحية، عبر عمليات تحويلية.

يتعكر البحر بالمخلفات البلاستيكية المهولة، والتي تجد طريقها إلى البحر لدرجة أنها ستزاحم الأسماك يومًا ما، ومع ذلك يطلق الفطر إنزيمات تعمل على تفكيك روابط الهيدروجين والكربون في البلاستيك والزيوت ومواد أخرى، وعلى الرغم من كون الزيوت والبلاستيك ملوثات سامة، فإن تحللها يسمح للفطريات بتحطيمها إلى عناصر مغذية.

من أنواع الفطر الفطريات المتعاونة، وهي تعمل على تحسين قدرة النباتات والأشجار على امتصاص الماء والعناصر الغذائية.

الفطر غني بالفيتامينات والمعادن ومضادات الأكسدة؛ مما يساهم في الوقاية من بعض الأمراض، وبالتالي طول العمر الصحي للإنسان.

الفطر يزود التربة بمواد عضوية مهمة، ويعمل على تحطيم المواد العضوية الثقيلة وتحويلها إلى مواد قابلة للاستخدام من قِبل النباتات، كما يساعد على تعزيز تهوية التربة وتحسين تصريف المياه.

يعتبر الفطر أحد العوامل الرئيسية في تحويل المواد العضوية والتحلل البيولوجي في البيئة، كما يمكن للفطر هضم وهصر الفضلات النباتية والحيوانية وتحويلها إلى مواد مفيدة للنباتات والأحياء الدقيقة الأخرى، وبهذه الطريقة يسهم الفطر في دورة المواد العضوية في الطبيعة، ويساعد على إعادة تدوير المواد العضوية.

أيضًا يمتلك الفطر قدرة على امتصاص الملوثات والمعادن الثقيلة من التربة والماء والهواء، مما ينقي البيئة، كما يتم استخدامه في عمليات تحلية المياه ومعالجة الفضلات، حيث يمكن له أن يكون فعالًا في إزالة المواد الضارة والملوثة.

أشعر بأنه مزود بداتا ضخمة وقراءات فورية للتحولات البيئية بكثافة

لقد تم استخدم الفطر منذ القدم في الطب التقليدي والبديل في معالجة العديد من الحالات المرضية، وتشير الأبحاث الحديثة إلى أن الفطر يحتوي على مكونات طبيعية تساهم في التخفيف من الألم وتحسين الوظائف الجسدية والعقلية.

للفطر تأثير إيجابي على الصحة العقلية، وقد يساعد استهلاك بعض أنواع الفطر على تحسين مستويات الطاقة والتركيز، وتقوية الذاكرة، وتقليل مخاطر الإصابة بأمراض مثل الزهايمر والتصلب المتعدد، كما أن مضادات الأكسدة الموجودة في الفطر تساهم في تأخير عملية الشيخوخة وتحسين جودة الحياة.

هناك علاقة روحية قوية بين الفطر والإنسان، فالفطر يمتلك قدرات رائعة للتواصل معنا على المستوى الروحي، ويعد جسرًا يربط بين عوالمنا الروحية والطبيعية، كما أن له دورًا في التواصل مع الكون، إنه يعزز الانتباه والتفاعل مع الطاقات الإيجابية من حولنا.

لذلك ارتبط الفطر في الثقافات القديمة بالتأمل والتواصل الروحي، وَعُدَّ مصدرًا للشفاء الروحي والجسدي، وعلى هذا فتناول الفطر يمكن أن يساعد في تطوير الوعي والتطور، مما يعتبر وسيلة للتواصل مع أعماقنا ونفسيتنا.

لاحظ عندما نتناول الفطر، فإننا نشعر بالانسجام والسعادة، وذلك يعود إلى تأثيره الإيجابي على توازن الطاقة في أجسامنا وأروحنا.

يخفف عنه التوتر، يضبط المزاج، يحفِّز المناعة، وبعض أنواعه يُستخدم لتحسين الذاكرة، وبعضها الآخر يرتبط بتقوية الحدس.

مع تناول شوربة الفطر قد تشعر بشيء من الاستنارة!

اسمح له أن يتواجد في حياتك وعالمك الروحي، وتأمل كيف أنه يجلب لك لحظات من الراحة والاتصال العميق.

بعضهم يرى أنه ليس نباتًا ولا حيوانًا والبعض الآخر يشكك بأن الفطر حيوان وليس نباتًا!

كذلك قد يبدو للوهلة الأولى أن الفطر عبارة عن نبتة بدون عواطف أو وعي؟

ولكن هل من الممكن التفكير بأن هذا الكائن العجيب مطرق الرأس يفكر أو يشعر أو يتعاطف؟

تمر به، فتشعر بأنه يتظاهر بالبراءة، وأنه لا دخل له في الذي حصل!

إن الاستمتاع بالمشي في الطبيعة ورؤية الأشجار والزهور تريح النفس وتجلب البهجة، ولكن هل لاحظت أن مجموعة من الفطر الملون المنثور تعطي هذه الشعور نوعًا آخر من العجائبية؟

هناك تفاعل من نوع خاص بين أرواحنا وبين الفطر؟

تفاعل يتجاوز حاجز العقل، وينفذ إلى الأعماق

هل يطمح الفطر إلى نقل بعض الشيفرات لأرواحنا؟

قد يكون الفطر أكثر من مجرد مجموعة كائنات تنمو في الظلام، بل لعلها تحمل أسرارًا روحية في عالمها السحري الصغير.

وإذا استبعدنا التفاعل المباشر بين الفطر والإنسان، إلا أن هناك نقاط تشابه في تجاربهما، فهو رمز للتحول والنمو الروحي، وهو يُبرز فكرة الازدهار وتطور الروح.

عندما نفكر في كيفية نمو الفطر، نجد أنه يتطلب الظروف المناسبة والاهتمام لينمو ويزدهر.

على النحو ذاته الإنسان يحتاج للعناية بروحه وتطويرها لتحقيق التوازن الداخلي، مع تذكر أن للفطر دورًا في التوازن البيئي، فهو يحول الطاقات الميتة إلى خامات حية من جديد، وبعض أنواع الفطر تستخدم في عملية تحويل النفايات العضوية إلى سماد طبيعي، مما يساهم في الحفاظ على البيئة وتقليل التلوث.

إذا كنت تشعر بالتشتت وقلة الحيلة إزاء أمر ما، فربما يمكنك أن تستمد التحفيز من الفطر الحكيم، افتح قلبك واستمتع بالأشياء الجميلة وتأمل في قوة التجدد والنمو.

لا بأس إذن من أن تتساءل هل هناك تواصل خفي يجمع بين الجانب الروحاني للإنسان وهذه الكائنات الصغيرة الغامضة على شكل فطر؟

بالأصل تعود كلمة "فطر" في اللغة اللاتينية "Fungus"، مما يعني "مهمة" أو "أداء دور محدد"، وبالفعل فهذه الأدوار التحويلية والمتعددة مع الأرض والبحر والبيئة عمومًا، تغرينا بالربط بين الإنسان والفطر روحيًا على المستوى التحويلي.

ومثلما يعتمد الفطر على الطاقة الشمسية والعناصر الأرضية للنمو، فإن الإنسان أيضًا يستمد قوته الروحية من مصادر مختلفة مثل التأمل والتواصل الصحي مع الآخرين.

الفطر ينشأ من تحت الأرض ليظهر في النور، مما يشبه العملية التي يمر بها الإنسان للتطور والتحسن في رحلته الروحية، هذا الاستلهام من الفطر يمكن أن يساعدنا على نمو روحي أعمق وتحقيق السلام الداخلي.

يذكرنا الفطر بأهمية النمو الروحي والبحث عن السعادة الداخلية، إن في تنوع الأشكال والألوان المختلفة للفطر تشعر الإنسان بعمق وجمال الطبيعة، مما يثير الدهشة ويعزز الروحانية.

سألت الفطر الحكيم يومًا:

هل هناك نهاية؟

فأطرق رأسه قليلاً ثم قال:

لا يوجد شيء بمفرده في هذا الكون..

كل نهاية بداية من وجه آخر..

 


تعليقات

  1. ومضة تنبت في القلب كما ينبت الفطر في العتمة… صمتٌ يحكي الكثير

    ردحذف
  2. ومضة تنبت في القلب كما ينبت الفطر في العتمة… صمتٌ يحكي الكثير

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خريطة الوهم، تسمية الأشياء بغير أسمائها

متاهة العقول المتورمة "تضخم الجسد الفكري ودمية ماتريوشكا"