خريطة الوهم، تسمية الأشياء بغير أسمائها

 

خريطة الوهم

تسمية الأشياء بغير أسمائها

تخيل أنك في مدينة بلا خرائط، حيث كل شيء يحمل اسمًا خاطئًا!

الشارع الذي يؤدي إلى المتجر اسمه "طريق البحر"

الجسر الذي ينقلك إلى الجانب الآخر اسمه "الممر المسدود"

وكل المقاهي والمحطات والميادين تزينها لافتات بأسماء لا تعني حقيقتها؟

ستدور في المكان، تظن أنك تعرف الاتجاه، لكنك في الحقيقة تضل أكثر

هذا ليس خيالًا

إنه ما نفعله بأنفسنا حين نسمِّي الأشياء بغير أسمائها

الخوف نسمِّيه حذرًا

التعلُّق نسمِّيه حبًا

الهروب نسمِّيه عقلانية

العجز نسمِّيه قناعة

نحن نعيد ترتيب اللافتات داخلنا حتى تبدو حياتنا أكثر قبولًا

حتى لا نصطدم بالحقائق كما هي

لكن ما يحدث هو العكس:

نُضلِّل أنفسنا

نحمل خريطة مغلوطة

نتساءل لماذا لا نجد الطريق!

أنت لا تستطيع الوصول إلى وجهتك إذا كنت لا تعترف بها كما هي

لا يمكنك العثور على الراحة إذا كنت تسمي قلقك انشغالًا

لا يمكنك التجاوز إذا كنت تسمي إحباطك تعبًا

لا يمكنك مواجهة الغضب إذا كنت تسميه حقًا مشروعًا

لا يمكنك فهم نفسك إذا كنت تعطي لرغباتك أسماء تجمِّل حقيقتها

الطريق الوحيد للخروج من المتاهة هو تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية

عندما تغيِّر المسميات، فإنك لا تغيّر الواقع، بل تضلّل نفسك، وتخلق فجوة بينك وبين الحقيقة

إن تسمية المشاعر بغير أسمائها لا يُخفِّف من حدّتها، بل يزيد من ضياعك في متاهة الغموض

عندما تقول لنفسك:

 "أنا غاضب"، "أنا خائف"، "أنا أشعر بالغيرة"

فإنك تمنح نفسك القوة لفهم هذه المشاعر ومعالجتها بدلاً من الهروب منها

التسمية الدقيقة تفتح لك أبواب الحل، بينما التحريف يبقيك في الدوامة ذاتها.

عندما تمنح أفعالك أسماءها الحقيقية، تتعرَّى أمامك دوافعك العميقة، وتصبح أكثر صدقًا مع نفسك

وعندما تكون صادقًا مع نفسك، تستطيع توجيه طاقتك نحو النمو الحقيقي، لا نحو تزييف الحقائق.

الخداع الذاتي هو أذكى طريقة للهروب من مواجهة الحقيقة، لكنه أيضًا أسرع طريق إلى الضياع

أن تقول: "أنا بخير" بينما روحك تصرخ

أن تدّعي أنك لا تهتم بينما كل خلية فيك مشتعلة بالقلق

أن تزيف مشاعرك باسم العقلانية أو القوة، كل ذلك لا يجعل منك شخصًا أقوى، بل يجعلك شخصًا منفصلًا عن جوهره 

القوة الحقيقية ليست في إنكار الواقع، بل في الاعتراف به ومواجهته بشجاعة.

أن تشعر بالخوف لا يعني أنك ضعيف، لكنه يعني أنك بحاجة إلى مواجهة شيء ما

أن تعترف بأنك غاضب لا يجعلك شخصًا سيئًا، لكنه يخبرك أن هناك جرحًا لم يلتئم

أن تقول إنك عالق لا يعني أنك بلا حل، لكنه يضعك أمام حقيقة أنك لم تختر بعد طريقًا للخروج

الأسماء الصحيحة ليست مجرد كلمات، بل هي مفاتيح للوضوح

هل لاحظت يومًا كيف يهون عليك الأمر عندما تصارح نفسك بشعورك الحقيقي؟

كيف يصبح الغضب أقل ثقلًا عندما تقول: "أنا غاضب"، بدلًا من أن تخفيه تحت مسمى آخر؟

كيف تهدأ مخاوفك قليلًا عندما تعترف بأنها مخاوف، بدلًا من أن تبررها بحسابات منطقية؟

لأنك حينها لم تعد تهيم في شوارع بلا أسماء، بل عرفت أين أنت، وعرفت كيف تبدأ.

هل لاحظت أنك عندما تتجاوز قلقك ومخاوفك وتجنبك وتذهب لإجراء فحوصات ضرورية وتتقبل النتيجة وترى الأرقام وتعرف السبب وتتعاطى العلاج أو الفيتامين الناقص كيف تتبدل حياتك؟

في النهاية، الحياة تشبه مدينة واسعة، مليئة بالشوارع والطرق واللافتات

البعض يضلِّ فيها لأنه يقرأ الأسماء الخطأ

والبعض يصل لأنه يجرؤ على تسمية الأشياء بأسمائها

تذكر أنك عندما تغيِّر أسماء الأشياء، فأنت لا تغيِّر حقيقتها، بل تفقد بوصلتك في فهمها والتعامل معها

الحزن الذي تسميه تعبًا لن يختفي

الخوف الذي تسميه توترًا لن يزول

القرار الذي تسميه "منطقياً" بينما هو "هروب" لن يكون صائبًا

التسمية الدقيقة هي مفتاح الوضوح، والوضوح هو مفتاح الحرية.

كن شجاعًا في تسمية الأشياء كما هي

سمِّ الشعور باسمه، والدافع باسمه، والقرار باسمه

فالتسمية الصحيحة هي أول خطوة نحو الوضوح

لا تكن تائهًا في مدينتك

سمِّ الأشياء بأسمائها، وستجد الطريق.

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

متاهة العقول المتورمة "تضخم الجسد الفكري ودمية ماتريوشكا"

صيد السمك🎣 وصفة النجاح المستدام