تركي الشثري

تذكر جميع الأشياء التي كنت ترغب في الحصول عليها وكانت بعيدة المنال جداً، لقد تحققت فرحت بها، ولكنك تنسى كثيراً، تنسى أنك كنت شغوفاً بها، تنسى أنك نسيتها في بعض اللحظات من شدة يأسك منها، تنسى شعور البهجة الغامر عندما حصلت عليها، تنسى الشكر والامتنان، تنسى أنك الآن تعودت عليها وصارت بمنزلة تحصيل حاصل! ها قد دخلت في الطريق المظلم البارد، تتذمر، تحتاج ويمزقك الاحتياج، احتياجات مادية ومعنوية، احتياجات حالية واحتياجات مستقبلية، تيأس، تضجر، تنطلق بالكلمات الفارغة، وتلوح بيديك في تأوه، اتبعني، سأدلك على حديقة النعمة، حديقة الشعور، الإنسان مخلوق مترابط، والكون كله مترابط، الماء والهواء والتراب كلها عناصر توحيديه، تربط أجزاء العالم، أنت وإن كنت نقطة في نظرك إلا أنك نقطة مؤثرة، فاعلة، متحركة، منسجمة، عراكك الداخلين فوضى مشاعرك هي التي تعكر أجواءك، وتجلب لك سوء الظنون، لقد وصلنا لحديقة الشعور، حديقتك، كيف تريد أن تصمم حياتك بالشكل الخادم لك، وأنت خارج حديقة الشعور، بل كيف تفعل ذلك وأنت إن دخلت حديقتك دخلتها بسرعة، وجلبة، وكأنك إعصار فيه نار، تحرق وتهدم، وتقذف بالشرر، ضغط شديد، قولون متهيج، إمس

وأنت تصمم حياتك، أو ترغب في تصميم حياتك كما تحب، قد تمر بك لحظات من الأسى، لحظات من الشك، تأسى على عمرك الذي ذهب الكثير منه وأنت لم تحقق ما تريد، تشك في مستقبلك الذي تلفه سُجُف الغيب المهيب، لا تأس ولا تشك، نواياك بيد أمينة، قلبك النابض بالحب محفوظ، الملاك الحارس يحمل لك البشائر، ويرى ما لا ترى، ويواسيك على كل الأحيان، ألا تلاحظ أنك في لحظات الأسى، أو لحظات الشك، تقوم من جديد، وتغسل وجهك من جديد، وتستقبلك يومك من جديد، وتستحم بأشعة الشمس الذهبية، وتتخايل حقول قمح الحياة الصفراء الناعمة، وتهتز شجاً مع صفير الرياح الحاني. عندما تُحكم نواياك، وتضبطها وفق رسالتك في الحياة، وتُنَقِّيها من بذور الأسى والشكوك، فإنك بذلك تُمَهِّد الطريق لحلمك المُشع على عوالم أخرى، ستستيقظ ذات يوم على نور الحقيقة الوحيدة الموجودة، لن ترغب في الرجوع إلى النوم مرة أخرى، إنه خروج بغير عودة، ستودع العجز والكسل، والشكوى والانتحاب، وستزهر بتلات زهرتك المقدسة في وادي الخير والجمال، وستحميها بثبات مُتَعَمَّد، ستحرس نواياك، وتحرس كلماتك، وتحرس حركاتك، وتحرسك حضورك، وتحرس غيابك، ستكون أنت ملاكاً حارساً. أنا أجزم أنك

  سأخبرك عن الكنز المدفون، والصندوق السحري الموجود بالقرب منك، لكنك لا تراه، عندما تكون مشغولاً، وتحمل الهموم، وتلهث في سكك الحياة، وترتجل الأفعال، وتضطرب عند ردود الأفعال، فهذا يدل على أنك غير مُحْكَم، وغير متماسك، بل واقع تحت التأثيرات الخارجية، والانفعالات الداخلية، إنها دوامة الموت، وملحمة البؤس، وتراجيديا النهايات المغلقة. ما رأيك أن تصحبني في هذه الرحلة، يوجد في داخل كل واحد منا مركز للأمان، ومنطقة للسلام، ومدينة عامرة بالخير والمباهج، لكن هذه المدينة باتت مطمورة بالخراب، ويطن فوقها الذباب، وتنبعث عليها الغازات المسيلة للدموع من كل صوب، والسبب في ذلك أنك متاح، ومنفتح بشكل سلبي للمقولات العامة، والسياقات العامة، والدوامات العامة، إن رياح التوجهات النشطة تغزو مدينتك العامرة لتجعلها غامرة! كل ما تحتاج إليه في هذه الرحلة كي تصمم حياتك بالشكل المُرضي، أن تمسح جميع تصورات الماضي، وتسامح كل الناس، وتوقف كل الأفكار السامة، وتنسى كل الأحكام المتحكمة، وتغلق كل منافذ المدخلات، وتنعم بالهدوء والسلام لفترة تغسل عنك أدران السموم. إن البناء المتين لا يقوم إلا على الحفر وتثبيت القواعد على

  هل تشعر بالتخمة؟ هل تحس بأنك مُثقل؟ هل زادت عليك الأحمال؟ هل طريقك وعر؟ هل كثرت التعرجات في حياتك؟ إنني أشعر بك يا صديقي، كما أشعر بالتنهيدة التي طفرت منك الآن، لا عليك، غبار الثلج الكثيف تجلوه شمس الحقيقة الذهبية، غرق الطريق بالأوراق اليابسة، ستذروه رياح التجديد الرخية، ستنبت القلوب الحمراء في بساتين روحك، ستنضج أفكارك القليلة المركزة، ستهتدي في ظلمات الليل الطويل لقناديل الإشراق المقدسة. عطني يدك لنتمشى في الجوار، واسمح لي أن أروي لك هذه القصة القصيرة جداً: يُروى أن أحدهم كان يمشي إلى دكانه في يوم ممطر والطريق زَلِق، فتعثر الرجل وأصيب كاحله بالتواء مؤلم، فما كان منه إلا أن استند إلى شجرة، وأخذ يلوي كاحله أكثر من الغضب! هل تدري يا صديقي أنك لا تلوي كاحلك فقط! أنت تلوي حياتك! كيف ذلك؟ دعني أخبرك: أنت عبارة عن قصة مثل قصة هذا الرجل، حياتك عبارة عن قصة، أنت تمشي في طريقك في الحياة، وكلما تألمت من أحداثها توقفت كثيراً عند هذا الألم، تحدثت كثيراً عن هذا الألم، اشتكيت كثيراً من هذا الألم، وليتك توقفت على هذا فقط، لا بل أنت تحمل الكثير من الأفكار، والكثير المعلومات، و