الروح تحضر وتغيب

الروح تحضر وتغيب

عالم الروح عالم غريب وغير مفهوم ولا يمكن أن نتسلط عليه بالمعارف المحضة فله قوانين تخترق حجب المعرفة لتنفذ إلى مواطن أخرى لا تمت لواقعنا المنظور بصلة

الروح تقوى وتضعف

تنشط وتكسل

تنبسط وتنقبض

ترفرف عاليًا ويهبط صاحبها أسفل سافلين

تترفع وتتلوث

والأرواح تتعارف وتتناكر

تتآلف وتتنافر

والشخصية المتكاملة هي التي تتوافق مع الروح لدرجة أن المتعامل مع هذا الإنسان لا يدري هل هو يتعامل مع شخص ماثل أمامه أم يتعامل مع روح شفيفة

من وسائل الرقي بالروح وحضورها الفاعل:

تحمل المسؤولية، وقد يتعجب البعض من ذلك، وأقول قد قدمت قبل قليل بأن شأن الروح شأن خاص ولها إشارات خاصة يلتقطها بعضهم في لحظات التجلي، فهي فهوم لا تؤخذ من المصادر وإنما تُعرض عليها للتقويم خشية الجنوح غير المنضبط.

تَحمُّل المسؤولية لا يعني أن تكف عن الوقوع في الخطأ، بل يعني الاعتراف بالخطأ ونسبته إليك لا إلى غيرك من تربية بائسة أو واقع ضاغط أو صحبة سيئة

وكذلك إذا كسبت خيرًا فتنسبه لمن منَّ عليك به بالقلب واللسان واليد بحيث حملتك هذه الأعضاء للكسب والسعي لبلوغ ما ينفعك وينفع غيرك

ومن وسائل رقي الروح:

الإفصاح أمام النفس عمن نحن وماذا نريد من وراء هذه الكلمة أو هذا الفعل

كثير من الناس يطمر نواياه بمثاليات لا تمت لواقعه بصلة، أو لتمثيليات اجتماعية فهو مقلد لمن حوله في هذه الكلمة أو هذا الفعل ولو صدق مع نفسه لحدد من هو وما مدى علاقته بالمجتمع حوله ومدى استقلاليته الروحية والعقلية

ومتى يبدأ المجتمع فيه ومتى ينتهي؟

ومتى تبدأ روحه فيه ومتى تنتهي؟

وسمَّى الأشياء بمسمياتها وتعرف على دوافعه الخفية وأبرزها وتفهمها قبل أن يقول أو يفعل ليحقق بذلك البصيرة في الخارج وتنزاح هالة الغموض التي تكتنف حياته وتخفي حقيقته الأصيلة عنه وعن غيره، وبهذا ينتفع بهذه الكلمة وبهذا الفعل ويجد أثرها في الناس وتكون لها ثمرة واضحة ملموسة.

الروح تحضر وتغيب فهي تحضر عندما تفكر في الآخرين وتسعى إلى إسعادهم من دون أن يكون ذلك على حساب سعادتك، فالتضحية ليست أمرًا جيدًا في كل الأحوال لأن الذي يضحي أناني، فهو يعطي ويعطي وينسى نفسه لشدة تعلقه بها فهو في انتظار الحصاد وانتظار نتيجة ذلك وأثره على من يعيطهم إنه يعطيهم ليس لأن العطاء سمة أصيلة فيه، بل لأنه متعطش للأخذ بالشمال لما قدمه باليمين، ومثل هذا يلقنه الناس دروسًا لن ينساها بالجفاء والإعراض والنكران فيتخذ دور الضحية بعدما كان يمثل دور المضحِّي فيعيش على هذه المعادلة في كل أطوار حياته ومع البيئات جميعها التي يدلف إليها "مضحِّي/ضحية"!

العطاء الحقيقي هو النابع من القلب وهو الذي يفكر في الآخرين بصدق ولا ينتظر منهم مدحًا ولا ثناء، ومن كان هذا حاله لن يؤذي أحد، ولن يتسلق على ظهر أحد، ولن ينسب إنجازات أحد لنفسه، ولن يتعالى على أحد، وهذه هي عوامل غياب الروح:

"حب المدح-الإيذاء-الوصولية-سرقة المنجزات-الغرور"

بينما إذا حضر العطاء حضرت الروح فهي معادلة "غياب/حضور"

لكل إنسان روح وفي كل روح جمال ولن تستخلص هذا الجمال من بين الركام إلا إذا حضرت روحك أما إذا كانت روحك غائبة، فلن تتعرف عليك الروح الأخرى وتغيب هي بدورها ليظهر لك من الإنسان أسوأ ما فيه، أو لن ترى فيه إلا ما هو سيئ، بينما إذا حضر جمال روحك بالعطاء الحقيقي فسترى في الناس كل جميل

إن كرهتهم كرهوك

وإن أسأت بهم الظن أساؤوا بك الظن

وإن صدَّقتهم صدقوك

وإن وثقت بهم وثقوا بك

لكن لا تحكم عليهم من خلال تاريخك معهم حيث كانت روحك غائبة فأرواحهم كذلك لم تحضر ولكنها صفحة جديدة تتغير فيها نظرتك لنفسك ولمن حولك.

لا يتناسب: (الخوف-نقص الأمان-محاولة إبراز القوة-إيذاء الآخرين) مع حضور الروح فلهذه المشاعر السلبية أثر عميق في النفس يدفع بها إلى تخيل احتياجات ومحاولة سدها وعندما تعجز النفس عن ذلك لأن كلفتها باهظة تذهب لتبحث عن مادة إدمانية تنغمس فيها لتهرب من الواقع الذي لم يلب لها هذه الحاجات المتخيلة

إنها حلقة مفرغة باردة وكئيبة لا تتناسب مع دفأ الروح وسكينتها

إذن عليك أن تبحث عن دوافعك الحقيقية وتكف عن محاولات البحث عن مصادر القوة والضغط على الآخرين والتسلط والتنمر والعنف والسخرية وذكر المساوئ وذم الزمان وسوء الظن فجميع هذه الأشكال مسؤولة بشكل أولي عن غياب الروح

فشعورك بالنقص يجعلك تختبر نفسك دائمًا عن طريق التهجم على المحيطين بك إن قدرت، أو الكيد لهم واغتيابهم إن عجزت

بالإضافة إلى الإدمان بشتى صوره للهروب من هذا الواقع وهكذا تتسرب حياتك من بين يديك وأنت لا تشعر ولم يصدف لك أن حضرت روحك ولا أن استقطبت الأرواح الأخرى لتلتف حولها، فهذه الأرواح حساسة جدًا ولا تقترب من الذي لا يشعر بالأمان الداخلي، ولا الذي لا يعطيها القوة، فالقوة طاقة متداولة تخرج منك إليهم وتعود إليك كثقة متبادلة واحترام وحسن ظن وسماحة نفس، لا كتلة جامدة تتحول إلى هراوة تقرع بها رؤوس مخالفيك ومؤيديك

لا بد من تقوية الروح إن كنت في الدرجة الثانية التي وصفت لك وبلغت الإدمان لأنك خليت بين جهازك العصبي وبين المواد الإدمانية، والجهاز العصبي بطبعه ملول ويحتاج إلى التغيير والمثيرات العالية بحسب ظروفك وعصرك وبيئتك وما تلابسه، ولكن لا تستجب لمادة الإدمان، اعلم أنها لحظات وتنجلي، نعم ستشعر بالدوار والتعب واكتئاب طفيف لا عليك من هذا كله، انفصل عن نفسك، راقب هذه المشاعر عن بُعد، دعها تداخلك وتجول للحظات ثم ماذا بعد ستعود من حيث أتت وتنعم بعدها بلذة حضور الروح وانتصارها

تعوَّد أن تحمل روحًا قوية تركز على العمل الجاد اليومي والذي يصب في مصلحة الأهداف الكبرى بعيدة المدى

لا بد من تشغيل الروح بشكل دائم لتدفع بك إلى هذه الإستراتيجية، فإنه وبمجرد ما تتعطل الروح عن هذا التوجه الحميد تأخذ النفس في البروز والتركيز على ضعفك ومحاولة التعويض عنه بما مر ذكره 

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خريطة الوهم، تسمية الأشياء بغير أسمائها

متاهة العقول المتورمة "تضخم الجسد الفكري ودمية ماتريوشكا"

الفطر الحكيم🍄