التوازن والعولمة
التوازن في عصر العولمة
التوازن هو إعطاء كل ذي حقٍّ حقَّه
والالتفات للتكامل في الحياة بين العقل والعاطفة والجسم والروح وهو معنى حضاري
تستقيم معه أحوال الناس وينعمون فيه بسكنى منطقة نفسية هانئة
إذ لا يمكن بحال أن تستقر المجتمعات التي
تشقى بشيء من الطغيان في جانبٍ على حساب جوانب
وكذلك الحال بالنسبة للأفراد
فأفضل ما تقدمه لنفسك ولغيرك وقايًة وعلاجًا
هو تحقيق التوازن
وبسبب ذلك عنونتُ لبرنامجي في التلفزيون
السعودي الذي يتعلق بهذا الموضوع بـ "التوازن والعولمة" تحدثتُ فيه من
خلال ما يقرب من الثلاثين حلقةً عن التوازن في مجالات حياتية شتّى تطال فعل
الإنسان وفكره في مفاصل حياته الهامة وهو يعايش هذا الظرف التاريخي الشامل
"العولمة"
وبالفعل فعصرنا يشتد فيه الإلحاح على تحقيق
التوازن لعدة أسباب منها:
1-أنه
عصر السرعة، والذي في عجلة من أمره على نحو دائم ولا بد من أنه سيفرِّط في صحته أو
لياقته لحساب نجاحه العملي أو العلمي، وقد يفرِّط في جانبه الفكري لحساب تحسين
جودة منتجاته التجارية مثلًا وعليه قس، ومن الأسباب أيضاً أنه عصر الاستهلاك
والاستهلاك يعني الإيغال في المادة ولا يكون ذلك إلا على حساب الروح، فالاستهلاك
بنيةٌ أساسيةٌ في ظاهرة العولمة.
2-ومن
الأسباب الانفتاح وسهولة التواصل مما يجعل القيم والعادات على محك المقارنة
والتمحيص مع الوافد الجديد، فنحتاج للتوازن بين العادات والوافدات.
3-ومن
الأسباب أيضًا أن الضغوط في الزمن الماضي كانت تمتصها الأرض، بمعنى أن الفلاح يضرب
بمسحاته الأرض ويزرع ويبذر ويرى نتاج ذلك فيتخلص من كثير من الأسئلة الوجودية
والضغوط النفسية (يذكر لوبون أن سبب قيام الثورات هو اختفاء المهن الحرفية)، بينما
في عصر السهولة وإنجاز المهمات من المنزل وفي الغرف المكيفة مع إيصال طلباته إليه
بكل يسر وسهولة وسرعة مع تطبيقات التوصيل، مع أسباب كثيرة ضاغطة ولا سبيل للتفريغ
عن كل هذا، مما يجعل الإنسان المعاصر في حالة من التوتر والقلق الدائمين فالراحة
ليست راحة الجسم بل راحة العقل وسكينة الروح وعليه فهو مطالب بالتوازن في حياته
ليتخفف قدر الطاقة من هذه الضغوط
فهل
يستطيع إنسان القرن الحادي والعشرين أن يتوازن؟
هل نستطيع أن نتوازن؟
إن الحاجة ملحة للتوازن، فكثير من
الناس يسأل عن تنظيم وقته، وعن التنسيق بين المنزل والمكتب، وبين الفردي والجماعي،
وبين الروحي والجسدي، وبين العقلي والمادي!
ومع ذلك وبعد برنامج التوازن والذي هو
أي التوازن من أهم أسباب اجتماع القوة، اكتشفت ضعف الإنسان فإنه ومهما توازن فلا
ينفك عن الضعف (وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً (28)) [النساء: آية 28]، وعن الخطأ ((كل ابن آدم خطاء....)) والعجلة (خُلِقَ
الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ) [الأنبياء: آية 37]، فما هو الحل؟
الحل هو المزيد من التوازن بحيث نتوازن في
طرح فكرة التوازن، بأن نضع هامشًا لاستيعاب "ضعف الإنسان-خطأ الإنسان-عجلة
الإنسان".
فلا يحكم الإنسان على نفسه بالفشل وهو لم
يسعَ بعد في تحقيق القدر الملائم لحاله من التوازن
وفي الوقت نفسه لا يعتقد أن تحقيق التوازن
معناه الكمال ووضع اللبنة الأخيرة في بناية نجاحه، فلا بدَّ من مواصلة العمل وبذل
الجهد واكتساب الخبرات والمعارف وتقبل "الضعف-الخطأ-العجلة"
وكل ذلك مرهون بفهمنا الأصيل لمطلب التوازن،
وأنه قانونٌ وليس فكرةً عارضة، فما معنى ذلك؟
في التدوينة القادمة سنتكلم عن: التوازن قانون
إلى اللقاء
تعليقات
إرسال تعليق