التصلب الفكري

التصلب الفكري داء من أدواء النفس لا العقل، نعم العقل غير المرن يميل إلى التصلب كثيراً، لكن المعول عليه في تصلب الفكر هو النفس المنغلقة، الخائفة، المتوجسة، الحذرة، فإذا أردنا أن نتخلص من التصلب الفكري، فإن ذلك لا يكون بكثرة القراءة، لأن هناك من يقرأ كثيراً وهو مقيم على التصلب الفكري، بل إن زيادة القراءة تعني زيادة التصلب، لأن النفس المنغلقة تقوم بإغلاق جميع الأفكار وحشرها في قوالب ضيقة، والعقل غير المرن يأسر هذه الأفكار أيضاً، ويطوعها في صالح التصلب الفكري، فالمعلومات تعتبر مادة يقتات عليها التصلب الفكري، فالمتصلب كلما زادت معلوماته زاد تصلبه.

يتعذر على بعض النفوس الفصل بين ما يتطلب الصمود والصلابة، وبين ما يتطلب التوسع في التفكير والمرونة في التدبير، فيجعلها كلها في خانة واحدة، ويتعامل مع كل المواقف بطريقة واحدة، وحل واحد، إنه منغلق، وخائف، ومتوجس، وحذر، ويريد أن يتخلص من جميع المواقف بالتصرف السريع البسيط الذي يصدر فيه حكماً شاملاً أبدياً، وينتهي الأمر مثلا: (كلهم هكذا)، أو (لا فائدة من كذا)، يريد أن يتعامل مع جميع الأحداث بتفسير واحد بسيط مريح وينتهي الأمر، مثل: (نظيرة المؤامرة)، أو (السبب فلان).

الغريب أن الأيام تؤكد لصاحب الفكر المتصلب خطأ ما ذهب إليه، وخسارته لكثير من الفرص والعلاقات والنجاحات، ومع ذلك يتعلق بالقشة، ويظن أن التصلب الفكري قد يأتي بنتيجة مغايرة في المرة القادمة.

يبدو لي أن الأمر عميق جداً، ومتجذر في نفس صاحبه، وأن التصلب الفكري يعود لخلل في النفس أكثر منه خللاً في العقل، أنظر إليه وهو يستخدم اللغة، إنه لا ينتقي منها غير الحاسم والقاطع بوجه أحمر وفم يقذف الزبد، أنظر إليه وهو يحرك يديه بشدة، وعلى شكل (X)، لغته قديمة، معلوماته قديمة، أساليبه قديمة، الغبار يتطاير من إنتاجه الفكري، سواء كان شعراً، أم رواية، أم فكراً، أم تربية، أم علماً، أم تجارة، كل شيء له جواب، والجواب جاهز، ومعلب، وسريع التحضير، مع إيماءة يد تُظهر اللامبالاة، لا بدائل، لا تغيير، لا تجديد، ليس في الإمكان أبدع مما كان، نحن الأفضل، الأعقل، الأحكم، الآخر ليس لديه شيء يقدمه لنا.

ما هو الحل: البداية تكون بمعرفة أعراض هذا المرض، ومن ثم الوقوف على أسبابها العميقة، والقيام بمعالجات بسيطة متدرجة، تقوم على التنازل النفسي في التعامل مع المواقف والأحداث، بتغييرات متتابعة:

-فكر بالطريقة التي تنتقدها دائماً.

-الشخص الذي ترى أنه جريء أو لا يحسب للعواقب، فكر مثلما يفكر أحياناً.

-نَوِّع أساليب التفكير بقصد وتكلف، كي يكون هناك تعويد للنفس، وكي تكتشف هذه النفس أن النتائج بدأت تتحقق، وأن هناك تحولاً مفيداً، وأن السماء لم تقع على الأرض، وأن المحاذير لم يقع منها شيء.

-قراءة كتب أخطاء التفكير.

-الانخراط في دورات حل المشكلات وغيرها؛ مما يصب في تليين الفكر المتصلب.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قارب الحياة

التمدد البطيء

الأم تريزا المطرودة "عندما يغيب المنطق"