هل القناعات قابلة للتغيير؟



كان هناك كلب في مزرعة يأتي فيقفز السياج ليلهو في الغابة ثم يعود ، وفي يوم ما تفكك السياج، ومع ذلك ظل هذا الكلب يقفز إذا وصل مكان السياج.

كلنا أسرى لأفكار أو قناعات لا يزيدها الزمن إلا رسوخاً ، وهذه القناعات مفيدة بل لا يمكننا ممارسة التفكير إلا بقوالب فكرية، فهي تؤطر لنا المعنويات، وترسم طريقاً ذهنياً نسير فيه، وتسهل علينا الصعاب الفكرية، وتوضح لنا بعض الغوامض، وتمكننا من التحكم أكثر ، ولكنها على المدى الطويل تتحول إلى قيود ثقيلة نجرها معنا لعوالم وأزمنة وأجيال تتعجب منها، وكما أن هذه القوالب الذهنية تفتح آفاقاً، فهي كذلك تحاصر التفكير وتصيب العقل بالجمود.

يقولون أن لقوس قزح سبعة ألوان  وهناك من يقول إن العين البشرية لا ترى سوى هذه الألوان السبعة، ولكن البعض الآخر يقول إنها لا ترى سوى ستة ألوان ولا ترى النيلي، ولكن بما أنه قد قيل لنا ونحن صغار أنها سبعة فنحن نقول إنها سبعة، بينما قوس قزح يتموج بعدد من الألوان الأخرى، وبناء عليه وحتى قوس قزح الظاهر للعيان تتعلق به وجهات النظر وتغيير القناعات!؟



خذ هذه النقاط:

-القناعات قابلة للتعديل والتنقيح بل والاستبدال أو الإلغاء.

-"التفكير خارج الصندوق" لا يُعلم من أول من قال به ولعلها تعود لشركات السبعينات، قد لا يكفي أن نفكر خارج الصندوق بل ينبغي أن نكتشف صناديق جديدة، التفكير خارج الصندوق قناعة بالإمكان الإضافة عليها.

-عالم اليوم معقد ولا يُكتفى فيه بالقوالب الذهنية العتيقة.

من أمثلة القوالب الذهنية الجاهزة:

-الأحكام المسبقة.

-التنميط "وضع فلان أو الفكرة الفلانية داخل إطار معين".

-التصنيف "إصدار الأحكام بناء على الصنف".

-حشر المتشابهات.

-النماذج الفكرية "الديمقراطية-المساواة".

-عرض ما نسمعه من آراء على قناعاتنا الراسخة فنرفض أو نقبل بناء على هذه القناعات ، التي فرضتها بيئة أو مزاج أو ظروف أو معلمون.

وعلى كل حال ليست هذه القوالب مذمومة مطلقاً فالله علم آدم أسماء كل شيء ليسهل تعامله مع هذه الأشياء.

مع الأسف أننا نعلق داخل المشاكل دائماً، بل ونعلق داخل الحلول لماذا؟

لأننا لا نتحلى بالهدوء الكافي، ولأننا ننظر من زاوية واحدة، أو نتناول جزئية واحدة ولا نهتم لكامل الصورة، بل ونتعصب لرأي واحد، أو حل واحد، ولا نستطيع أن ننظر نظرة شمولية، ومن أكثر من زاوية، ولا نستطيع الانفصال عن فكرتنا الأساسية بحيث نطرح من حولها الأسئلة ونغربلها، وبحيث نستمع للآراء الأخرى بعقل منفتح ومستعد للتغيير.

ينبغي أن نعلم أننا نعيش ونعمل داخل منظومات متعالقة وتتأثر وتؤثر فينا وبنا، فأي خلل هناك يؤثر على هنا، وأي انفتاح هنا يؤثر على هناك، وللعقبات التي تعترضنا، أو الفرص التي تنتظرنا أسباب مرئية ومخفية وجذور في أنفسنا وفي بيئتنا المحيطة، بل وفي تاريخنا وجيناتنا فلنتبصرها ونضيفها لقائمة المعلومات الإحصائية والتي نستحضرها دائماً في النظر للمشاكل أو الحلول، إذن دوِّن هذه المعلومات واكتب هذه المشكلة أو الفرصة، حددها وأبحث في أسبابها وسجل كل ذلك، هنا قد يظهر لك أن هذه المشكلة تخفي خلفها مشكلة أكبر وما هي إلا عَرَضٌ لهذه المشكلة الكبيرة، ويتبين لك إن كان الخطأ في جزئية من النظام فَيُعدَّل أو أن النظام برمته بحاجة إلى استبدال.

العقبات الذهنية التي تعترض طريقك وأنت تفكر هي حجر عثرة ملقى أمامك بصورة دائمة لا تلتف للأحجار الصغيرة، بل ابحث عن أكبر الحجارة وقم بتفتيته من الداخل، أو بكسره من الخارج، أو بزحزحته عن طريقك لتسلك السبل السهلة الواضحة في التعاطي مع الأمور في كل المجالات.

لا تخش شيئاً فمهما كانت قناعاتك وطريقتك في التفكير فبما أن هذه القناعات قد تشكلت عبر الزمن فكذلك تستطيع تشكيل قناعات جديدة تنفعك ولا تضرك، قد تكون متصلباً في رأيك، بل وتحفظ المواقف المناسبة لكل حدث فأنت جاهز برأسك العنيد لمجابهة الأحداث فتحكم على الظواهر أو الأشخاص بالأسود أو الأبيض ولا تتراجع قيد أنملة عن هذا الرأي، لقد أثر ذلك بما لا شك فيه على نفسك وصحتك وهدوءك وعلاقاتك وآن الأوان لاكتساب قناعات جديدة مفيدة لك ولمن حولك، إذا كنت متشائماً دائماً وتقف كالطود الشامخ أمام الآراء المنفتحة المستقلة عن الرأي الجمعي، المحلقة في سماوات الإبداع، فبمجرد ما تسمع رأياً أو نظرية أو اقتراحاً يختلف عما خزنته في ذهنك من مواقف راسخة فأنت ترفضه مباشرة، فلا تنتظر من بيئتك المحيطة إلا أن تضعك في الأماكن الروتينية والتي تتطلب التنفيذ الحرفي سواء في الأسرة أم العمل أم في تسليتك، فحتى التسلية التي تُرَوِّح بها عن نفسك ليس فيها إبداع، بل تسلية روتينية مبتذلة.

حاول قدر الاستطاعة الانفصال عن العواطف لحظة إدارتك لحل مشكلة ما، وذكِّر فريقك بذلك، فالانفعال عند تدوير الحلول لا يأت بالنتائج المرجوة، بل على العكس من ذلك فتنصبغ الحلول بردات الفعل المختلفة، وتتأثر بعواطف المشاركين في الحل، فتأتي وقتية مسكِّنة غير عميقة ولا مُنتشلة من الحال غير مرغوب فيها.

تأكد بأن هناك حلاً جيداً لكل مشكلة وما عليك إلا تنفس الصعداء والتركيز للعثور على هذا الحل، اعتبرها نزهة أو تدريب على خوض غمار الحياة، وإضافة لسجل تجاربك، بعد كتابة المشكلة قم بكتابة تشخيص دقيق لهذه المشكلة كي تبرز أمامك بشكل جلي مع تعداد الأسباب المحتفَّة بهذه المشكلة مع تمييز الأسباب المباشرة وغير المباشرة، بعدئذ أكتب جميع الحلول الممكنة وغير الممكنة، أكتب وكفى ولا تقم باختيار أي حل إلا في الخطوة التالية حيث يحين وقت اتخاذ القرار فأنت مطالب بالحزم لا أن تبقى عالقاً في دوامات مشاكل العمل والأسرة وغيرها، فاتخاذ القرار هو بحد ذاته تقدم خطوة إلى الأمام قابلة للقياس والتحقق من الصواب أو الخطأ إلى أن تنتهي هذه المشكلة بفتح آفاق جديدة لك ولكل الفريق حينها فقط تتحول المشكلات إلى فرص للتعلم وتدريب الذهن على تغيير القناعات عندما تتبع هذه الخطوات سيتغير تفكيرك تماماً عندما ترى النتائج النفسية والعقلية الثمينة.

حياتك هي أفكارك، إن لطريقة تفكيرك الأثر البيِّن في نوعية الحياة التي ستحياها فاحرص على التحلي بالقناعات الراشدة المنفتحة على الحياة برحابتها وتنوعها وسعة معطياتها وتخلص من التحجر الفكري والانغلاق العقلي الذي كلفك الكثير وفوت عليك فرص الحياة المليئة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خريطة الوهم، تسمية الأشياء بغير أسمائها

متاهة العقول المتورمة "تضخم الجسد الفكري ودمية ماتريوشكا"

الفطر الحكيم🍄