الوكيل

الاعتماد والنيابة، والحسب والكفاية، قد تطلبها من بعض البشر، ويقفون إلى جوارك لبعض الوقت، في بعض الأمر، ولا يعرفون ما في قلبك، ولا ما تشعر به، ولا يستطيعون رفع ذلك عنك، مع ما يلحقك منهم من المن والأذى، أو ثقل الوفاء، ويعطيك ربك فيرضيك وترضى، ويمسح بيده على قلبك المكلوم فتشفى، ويرفعك في كل مرة من الحضيض. لا توكل حقيقي، ولا توكل مطلق، ولا توكل عام، ولا توكل يكفي إلا التوكل على الوكيل.

الوكلاء لا يفون بكل ما يوكل إليهم، ولا يفون وفاءً تاماً بغير نقص من وجه من الوجوه.

الوكلاء يموتون، بينما الوكيل لا يموت، فتوكلك عليه دائم لا ينقطع، وبرودة اليقين معه دائمة، وهو نعم الوكيل.

الوكلاء يحتاجون إلى التفويض، ويستطيعون في حال، ويعجزون في أخرى، ويحسنون في حال، ويسيئون في أخرى، أما الوكيل فقد فُطرت القلوب على الاتجاه إليه، والطلب منه، وعَقْدُ الفؤاد على كفايته، وهو القادر في كل حال، والمحسن على كل حال.

الوكيل هو الذي يأذن بما يكون، وهو الذي يقول للعدم كن فيكون، وهو الذي يدبر الأمر، فالتوكل عليه عين البصيرة، وتعليق القلب بمن لا يملك الإذن ولا التكوين ولا التدبير عين العمى.

الوكيل لا يغالبه أحد، ولا يدفع إرادته أحد، فإذا توكلت عليه كفاك كفاية لا راد لها ولا معقب، وهو الخبير بمسالك الكفاية، وتمامها على أحسن الوجوه، والعظيم الذي لا تَعْظُم عليه كفاية مهما بلغت، وأمام كائن من كان، وهو الحفيظ الذي يحفظ هذه الكفاية قبل وبعد وأثناء، وهو العليم الذي يعلم ما كان عليه شأنك الذي يهمك، ومقدار اهتمامك، وهو عليم بما سيؤول إليه هذا الأمر، فنم قرير العين.

الوكيل توكل برزقك وأجلك وسائر شأنك، وهو لا يحتاج في ذلك إلى معين، وهو حكيم وكريم وغني وقوي وقدير وسميع وبصير ومحيط وواسع، فمن وكلته أمرك يدبر الأمر.

الوكيل يجازيك إذا توكلت عليه أن يكفيك، فجعل الجزاء من جنس الأداء، والوكيل ضامن لك في حالك ومآلك، يسد الخَلَّة، ويشفي العلة، ويَعْدِلُ الجنوح، ويجمع القلب، ويهدِّئ النفس، وَيُسَكِّن الضمير، ويجبر الكسير، ويرفع الهم.

وهو يوكل عباده بما شاء، فتعليق قلوب المخلوقين بالخالق، وتحبيب المخلوقين للخالق قد وكل الوكيل بها من يشاء، فإن كنت من هؤلاء فهنيئاً لك.

ولكنه يربيهم ويعلمهم ويفهمهم ويعطيهم التدبير قبل أن يوكلهم، فقد صُنِعوا على عينه، بينما الخلق إذا توكلوا عليه فهم يتوكلون توكل الجاهل على العليم، والفقير على الغني، والضعيف على القوي، والأخرق على المدبر.

الوكيل يُهيِّئ الأسباب، ويجعلها تعمل، ويعطل الأسباب، ويجعلها لا تعمل، ويعود الأمر إليه بلا أسباب، فينجز لك فوق ما تريد، بهيئة لم تخطر لك على بال.

إذا حققت التوكل كما يجب، أحببت الوكيل وأحبك، ونزلت عليك السكينة ونعم بالك، وفرحت بحصول المطلوب على أكمل الوجوه، فتزداد قوة، ويذهب من قلبك الهم وخطرات الردى، وتُصقل روحك وتتصل على أعلى مستوى.

الحياة مع التوكل حياة أخرى، وطعم آخر، وبُعدٌ منير، الحياة مع التوكل حُبٌ يلامس الشغاف بشكل دائم لا ينقطع ظله، ولا ينضب ماؤه، الحياة مع التوكل حياة حقيقية.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خريطة الوهم، تسمية الأشياء بغير أسمائها

متاهة العقول المتورمة "تضخم الجسد الفكري ودمية ماتريوشكا"

الفطر الحكيم🍄