حديقة الزمن

حديقة الزمن تمر عليها الفصول الأربعة، الصيف والشتاء والربيع والخريف

وكلنا نمتلك حديقة خاصة بنا، وتمر عليها جميع الفصول

نتقلب في حديقة الزمن على أحوال عدة

في حديقة الزمن دروب وطرقات وممرات ودهاليز وكراسي، وأحجار صالحة للجلوس، وقناديل معلقة، وأشجار وزهور لم نكتشفها بعد

في حديقة الزمن ظلام ونور، اسكن في الظلام، وانتشر في النور

لا تنفصل عن حديقتك لأنك ستنفصل عن ذاتك

كن خبيراً بحديقتك، فلن يعتني بها أحد بالنيابة عنك.

بعضنا شارد عن حديقته، مشغول عنها، قد تحطمت أشجارها، وذبلت أغصانها، ويبست أوراقها، وتكسرت كراسيها، وانطفأت قناديلها، وذهبت نضرتها، وزال بهاؤها، إنه لا يدخلها، ولا يتواجد فيها، ولا يعتني بها، ولا يحميها من الحشائش الضارة، والرخويات المزعجة، والفطريات السامة، بل هو غائب عن نفسه، لا يجيد الحضور الآن، ولا ينتقي علاقاته، ولا يرتب كلماته، إنه يثرثر طوال الوقت، بل ويتطفل على حدائق الآخرين، ويجيد وصفها بدقة، ويتسكع في نواحيها، ويصدر عليها الأحكام، بدون فائدة له ولا لهم، بل هو الهذر المتواصل، والهدر للطاقة، والإسراف في اللغة، إنه يستهلك كل شيء بشراهة، ويفسد كل شيء بتبذير، ويخنق نفسه، ويخنق غيره، لقد ضاع منذ زمن طويل.

الصيف مفيد، فهو يستدعي الضوء والحياة تنمو بالضوء، ويوفر الفيتامينات اللازمة للطاقة، وينير الطريق، ويقتل الجراثيم

الشتاء مفيد فهو يفتح الشهية، وتكبر فيه الكميات، ويتطلب الدفأ في الجسد والروح والشعور

الربيع مفيد ففيه تتفتح الزهور، وتغني الطيور، وتحلق الأفئدة، ويُشم النسيم، وتنتشر الروائح الزاكية، وتتعافى الروح، الخريف مفيد ففيه تتساقط الأوراق الميتة، وتتخلص الكائنات من أجزاءها التي لم تعد تعمل، وتغتسل الأرواح، وتتبدل الجلود.

أنت بحاجة للصيف كي تسخن وتلين، وتشرب كميات كبيرة من الحياة الباردة

أنت بحاجة للشتاء كي تستهلك كثيراً مما يمدك بالطاقة، وتبحث عن الأحضان الدافئة الوثيرة، وتشتهي الحياة المثيرة، وتلتحف بالمتع الكثيرة

أنت بحاجة للربيع كي تزهر وتثمر، وتقطف جنى جهودك، وتحتفل بوعودك، وتلتقي بمن تحب تحت ظلال الزيزفون، فتتماسك الأيدي بنعومة، وتلتقي العطور في حفلة ملونة

أنت بحاجة للخريف، كي تموت الأجزاء المعطوبة فيك، وتتخلص منها، وتذوق لذة الانسلاخ، وانتظار البدايات الجديدة، والولادات المفيدة.

البعض في صيف دائم لاهب، أو صقيع دائم مكتئب، أو ربيع مغشوش، فيه كبت للمشاعر، ورقص الببغاء الغبي، "أنا إيجابي، أنا إيجابي"، أو خريف مخيف، وذبول دائم، وأحزان متوالية.

عندما تتقلب بك الحياة، وتأخذك يمينًا ويسارًا بعيدًا عن حديقتك، كن فطنًا، وتعلم الرجوع السريع، والتخلص الأسرع من المشاعر الهابطة.

العادات الصحية، والتي تمدك بالطاقة، مثل:

الرياضة، القراءة، الغذاء الصحي، اللقاءات الممتعة، الهوايات المنعشة

موقف واحد بغيض قد يبعدك عنها لشهر، أو لأسبوع، أو ليوم، أو لساعة، بحسب رشاقتك النفسية، وعودتك لحديقتك الملونة، تستطيع مواجهة الألم، من دون كبت، ولا تعجل، بل من خلال المواجهة الباردة، بحيث يدخل الألم من جهة ويخرج من الأخرى بدموع، أو صراخ، أو ضرب الرأس بكلتا اليدين، أو تكسير الصحون!

ويذهب إلى غير رجعة، ولا يعطلك عما يمدك بالطاقة مرة أخرى، ولا يسحبك بعيدًا عن حديقتك إلى بحار الظلمات، بل تعود من قريب، ولا تجد في اثناء ذلك إغراء المراقبة، ومد عينيك لحدائق الآخرين، بل تُكَثِّف حضورك، وتسعد بحديقتك، وتعتني بها، وتجرب طرقاتها، وتشعل قناديلها، وتجلس على كراسيها، وتحتفل بها حجر وشجر وزهر، حديقتك الداخلية، حديقة الزمن تنتظرك

لا تتأخر عليها

إنها تلمع بالبهجة المُنْتَظَرة

لقد ذابت شوقًا إليك.