منارة الروح
الحياة
متاهة، والروح هادي ودليل مُرشد، وفي الحياة منارات عدة، ومسارات عدة، والوصول غير
مضمون، وكثير من الناس يضيع في مهامه الحياة، بل والأدهى من ذلك أنه يُسهم في ضياع
الكثيرين من حوله، وبحسب تأثيره وقوة نفسه يساهم في الشتات وتمييع العصور، وتسييل
الأذهان، إن التداخل العجيب بين الدهور والتمازج الكبير بين التواريخ يساعد الروح
في التنقل الرشيق بين العوالم بخفة متناهية، لا أن تتحول الحياة لجزيرة واحدة
صُلدة، ولا أن تتمزق الخارطة الزمنية بين جزر معزولة، بل الواحد هو الكل، والكل هو
الواحد في تمايز واضح.
منارة
الروح تعطيك المساحة الكافية للحركة والتفاعل والتعاطف والتشاعر بنضج ووعي، فتعرف
ما تريد، وتبني من تحب، وتعيش في راحة، وتخلد في نعيم، وتستقر في وجود، وتستهلك ما
تحتاج، وتحتاج ما تقدر عليه، وتقدر على ما تستهلك، وتقتات على البقية، بينما يؤدي
تحطم المنارة، أو انطفاء سراجها، أو ضياعها إلى التفاعل السالب، والتشاعر البغيض،
ومعرفة ما لا تريد، وهدم من تحب، والعيش في ألم، والخلود في بؤس، والاستقرار في
العدم، والانفصال عن الوجود.
منارة
الروح بيضاء، عالية، منيرة، ثابتة، موجودة، صادقة، لا تخون، أنت من يخون، أنت تخون
نفسك بالإغماض عن منارة الروح، أو الانصراف عنها، أو تجاهل توجيهاتها، أنت المريض
وأنت الطبيب، أنت العلة والمعلول، أنت السبب والنتيجة، بيَّض منارة روحك، أرفعها،
أنرها، حققها، صادقها، لا تخن نفسك.
أحيناً
قد يحول بينك وبين منارة الروح الضباب، أو الرياح المزمجرة، أو الأمواج العالية،
أو قهقهات البحارة وعربدتهم وصراخهم الذي لا ينقطع، لا بأس كلنا نمر بهذه الأحوال،
ولوحدنا نصارع الأهوال، ولكن لا نلبث أن تبزغ لنا منارة الروح من جديد بعدما ينقشع
الضباب، وتسكن الرياح، وتهدئ الأمواج، ويكمن الفرق في التفاعل، في ردود الأفعال،
في التعامل الرشيد مع كافة الظروف، في مهارة العودة من جديد، النهوض من جديد، في
التجدد والتجديد.
الحياة
رقصة، ولكنها ليست عابثة فلا تعبث معها، ولا تأخذها على محمل الجد كذلك فهي رقصة
أولاً وأخيراً، ولكن كن هادئاً، مرناً، متوازناً كي لا تسقط، كن متطوراً كتطور
الحياة.
منارة
الروح تحتاج منك الحضور إليها، التأمل فيها، التسليم لها، القبول بها، لا تبحث عن
منارات الآخرين، ولا تصفها، ولا تقارنها بمنارتك، صدقني عندما تجد منارة روحك
ستسدل الستار على الملهاة والمأساة، وستكون حياتك نزهة تحت ضوء القمر.
تعليقات
إرسال تعليق