مرآة الزمن🪞

 

تخيل معي مرآة عظيمة الحجم قد سدت الأفق، ينعكس عليها الضوء، واللون، والشكل، والحركة، وكل الأحداث، وما موقفك إلا الفرجة، ستنعم بمشاهد، وتحزن لأخرى، وتتألم لثالثة، وتبتهج لرابعة، وتنطبع في ذهنك صور الأشياء، وتصطبغ روحك بالألوان، وتتفاعل نفسك مع الحركات، وتنتقل بين الأحداث، هذه المرآة هي حياتك، لكنها ليست أنت، هل فهمت الآن؟

ومع علمي أن هذا المشهد سيمر على الكثيرين، ولكنهم سينغمسون فيه في كل مرة، ويعيشونه كل مرة، ويصدقونه كل مرة، بل ويبنون كل مواقفهم المستقبلة عليه، ويمارسون كل أنواع الانغلاق والحماية والتدرع، بحجة ما قد مر عليهم وجربوه!

إنها مرآة الزمن، كل شيء يجري من خلالك، ولكنه ليس أنت، كل الكلمات تمر عبر حبالك الصوتية، لكنها ليست أنت، كل التنويعات تصدر من نوتتك، لكنها ليست أنت.

مرآة الزمن عاكسة، مرآة الزمن مصقولة، مرآة الزمن زلقة، تعكس المشاهد، تتيح الرؤية، تنزلق عليها كل المواقف، ولكنها تبقى مرآة ، الحقيقة الوحيدة الموجودة هي أنت، الاحتمالات كلها متاحة، الخيارات كلها موجودة، أنت أكبر من مرآة الزمن، وجودك سابق لها، لاحق بها، أعم منها، أوسع بكثير.

لماذا تتسمر أمام مرآة الزمن، وترضى بها، وتتعايش معها، ألا أتدري أنك مخول بمحوها، بجليها، بعكس مشاهدها، بقلبها تماماً، بل ومخول بتحطيمها لقطع صغيرة تبعثرها لتجمعها من جديد، بإطار جديد.

لماذا تبكي وتضحك وتندهش، لماذا تصرف قواك كلها لمتابعة مرآة الزمن، ألم تفكر يوماً ما في صناعة الزمن، ورسم اللوحة المعبرة عنك أنت، لا عن صورتك الذهنية المشوشة، ولا عن صورتك الاجتماعية المبتذلة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خريطة الوهم، تسمية الأشياء بغير أسمائها

متاهة العقول المتورمة "تضخم الجسد الفكري ودمية ماتريوشكا"

الفطر الحكيم🍄