الأفكار الميتة
هل
توصف الأفكار بالموت! وهل هناك أفكار ميتة؟
لا
أظن أن الإجابة على هذين السؤالين مهم بقدر أهمية أثر هذا الهاجس على الإنسان،
بمعنى أليس من المؤلم للشعور أن يُحس الإنسان أنه يحمل أفكاراً ميتة غير مفيدة، والأدهى
من ذلك إذا طال الشك إطاره الفكري بالكامل، بمعنى أن السياق العقلي الذي تجري من خلاله
جميع عمليات التفكير معطوب! ولكن ليكن، قد يهتز كيان الإنسان، ولكنه لا ينهار، بل
يتماسك بسرعة، فقدرة الإنسان على التكيف عالية جداً، وهو مزود بقدرات عقلية هائلة،
يموت هو وهو لم يستخدم إلا الجزء الضئيل منها، وعلى هذا فمثل هذه الاهتزازات
الفكرية العميقة قد يولد من جرائها خَلْقٌ آخر، بإطار فكري مرن وواسع، يُوَلِّد من
خلاله حفنة من الأفكار القليلة العظيمة، والتي تغير مجرى حياته بالكامل، وفي بعض
الأحيان تغير مجرى العالم بالكامل، والأمثلة على ذلك كثيرة جداً.
وليس
من لازم أن الأفكار تموت أنها كلها تولد ميتة، بل قد تنتعش فكرة ما لفترة من
الزمن، وتحصد المجتمعات من خلالها الكثير من الفوائد، ولكن لا تلبث أن تخبو، ثم
تندثر وتموت، وكل ذلك مرهون بمعايير نفسية واجتماعية على عدد من المستويات، ولذلك
فمن الخطأ القاتل تأليه الأفكار، وعبادة الأفكار، وتحويل الأفكار إلى أصنام جامدة
يطاف حولها بابتهال وخشوع، فالأفكار ليست مصدراً لإنتاج الثقافة بقدر ما هي أنماط
حية نتجت عن سياق فكري عام تَكَوَّن من خلال بعض التفاعلات التاريخية والاجتماعية
والنفسية لمجتمع ما، إذن الفكرة كائن حي له ظروف نشأة، وملابسات وجود، هذا الكائن
الحي يتغذى على مادة صالحة له، وهو يؤدي دوره الاجتماعي لفترة ما، فإذا تغيرت هذه
التفاعلات الزمانية والاجتماعية والنفسية أخذت الأفكار بمحاولات التكيف مع هذه
المعطيات الجديدة، فتبقى الأفكار القوية، وتموت الأفكار الضعيفة، الأفكار القوية
هي القابلة للولادة والإنتاج من جديد، والأفكار الضعيفة هي الأفكار غير المتكيفة
لذلك تحاول التماسك والصمود في وجه التيار الجارف الذي يلقيها بعيداً في سلة التاريخ،
وليس معنى ذلك أنها غير جيدة، لا بالعكس فقد أدت دوراً مهماً في وقت مناسب لها، إذن
أين تكمن المشكلة، المشكلة تكمن في التمسك بأهداب فراش الفكرة الميتة.
تعليقات
إرسال تعليق