برمودا الرغبة 🌪️
برمودا الرغبة
قوانين
الكون لا تعمل وفق ما نشتهي، هي ناموسية الحركة، وتعمل في حقل مُطَّرد مهما بدا
لنا تَقَلُبَها، إلا أن النسق الذي تسير فيه يكاد يكون ثابتًا بطريقة مدهشة
لذلك
من الوعي العالي الفهم، فهم قوانين الكون، والفهم لا يتأتى لمن هو في عجلة من أمره،
لمن هو يجري بسرعة، لمن يلهث؛ لا تلهث، توقف، أمسح جبينك، أشرب كوبًا من الماء،
هدئ من روعك، أنت كائن حي، والكائن الحي فاهم، متكيف، مهتدٍ لما ينفعه، محترزًا عمَّا
يضره
أنت
تملك سر الانسجام الكوني العظيم، ولكنك تغطيه بالرغبات المستعرة، بالإرادات المتناقضة،
بالمتطلبات التي لم يحن وقتها بعد!
عندما
تريد شيئًا وتتعلق به، وتسعى وراءه بلا انقطاع، وتقبض يدك بإحكام، وتشد بشرة وجهك،
ويمتقع لونك، وتتقلص أحشاؤك، وتصاب بالإمساك النفسي، وتبدو مثل الطبل المشدود
بقوة، وتصدر أصوات الشكوى والعويل، ثم ترتخي قبضتك، وتضمر أحشاءك، وتتهاوى على
كرسي الانتظار الكئيب، ويتساقط عليك المطر، وتتبلل ثيابك وعصى المظلة بيدك، لكنك
منهك القوى، ذاهل عن محيطك، قد تشرق الشمس، وتجف الملابس، وتنفتح عيناك على
البصيرة
لقد
كنت في برمودا الرغبة المدمر
لقد
كنت في دوامة التعلق العسير
لقد
صرفت سنوات عمرك تجري وراء السراب!
هنا
قف معي واستمع لما سأقول:
لا
تريد شيئًا
وليكن
شعارك: "أريد أن لا أريد"!
أنت
بالذات بحاجة لهذا الشعار
عش
عليه
استمتع
بأيامك
كن
أنت
أنت
بلا نجاح، ولا تقدم، ولا رغبات
أنت
كافٍ هكذا
خذ
إجازة من التفكير في الأهداف وصناعة الحياة
صدقني
من أسباب تحسين جودة الحياة في بعض الحالات هو التوقف
هو
أَخْذُ نقاهةِ العودة إلى الذات
إن
الانفصال عن الذات يعني الانفصال عن الكون
والانفصال
عن الكون يعني عدم فهم قوانين الكون
وعدم
فهم قوانين الكون يعني التخبط
والتخبط
يعني تمزيق مخطط الحياة!
عن
أي نجاح وعن أي أهداف تتحدث وأنت متخبط ومُمزق؟
بالفعل
إن أعظم هدية قد تحصل عليها هي عدم تحقيق رغباتك
وعدم
تحقيق أهدافك
وتخلي
الآخرين عنك
أنت
بحاجة إلى هذه الوقفة الإجبارية، لماذا؟
كي
تتصل بذاتك بشكل صحيح
ومن
ثم تتصل بالكون
ومن
ثم تفهم قوانين الكون
إذا
فهمت ستعرف أن المطلوب منك لتحقيق ما ترغب به هو معرفة من أنت!
كيف
تطلب شيئًا لشخص لا تعرفه؟
أصلاً
كيف تعرف ما يريد؟
وخذ
هذا المثال الصغير كي تتضح الفكرة:
شخص
ما تريد أسرته أن يكون طبيبًا جراحًا
وهو
لا يحب رائحة المستشفى، ولا يطيق منظر الدماء!
وعلى
العكس من ذلك هو مغرم بالعمارة وفنون الهندسة، لكنه ذكي وأهله يخبرونه بأن له مستقبلًا
زاهرًا في الطب والجراحة
يبدأ
بنسيان شغفه الحقيقي، ويندلق مع ما حشيت به نفسه من الطب وكليات الطب وزمالة الطب
وأبحاث الطب، ويمشي عكس تياره، ويعصر مخه في المحاضرات، ويحفر الصخر، ويرسب، ويجلس
على كرسي المطر المذكور آنفًا، وهذا مثال بسيط فقط، وليس كل رغباتنا أُسقطت علينا،
لكنه مثال تقريبي!
إذن
أعرف نفسك
ثم
أعرف قدراتك
ثم
أعرف إمكانياتك
ثم
أعمل بتركيز
وأنظر
لأهدافك وقد تحققت من دون تعلق، بمعنى عش اللحظة، وأنت تشعر بأن سيرك في الطريق هو
وصول، بأن عملك للهدف هو بداية الخيط لتحقيق الهدف، استمتع بالمشهد، كن راضيًا
بالموجود، وأعلم أن المفقود سيأتي في وقته الأنسب
وبهذا
أنت ترغب في شيء يناسبك، لأنك متصل بذاتك
وأنت
تسعى بلطف لما تحب
وأنت
تعمل بمتعة
وأنت
تنسى موعد الطعام والشراب ليس لأنك مجتهد، ويتصبب منك العرق، لا، بل لأنك مبتهج،
وبهذا تخرج من برمودا الرغبة إلى غير رجعة.

تعليقات
إرسال تعليق