الرقص على رؤوس الأفاعي مقدمات ضرورية
تمهيد
لاحظت
توجهاً عاماً لتفحص العلاقة بالآخرين، وعدم أخذ وضعية الضحية، أو القيام بإخراج
العلاقات السامة، ولدي حصيلة من الكتب التي تقع على طرفي نقيض في طريقة التعامل مع
الشخصيات العدوانية أو النرجسية أو غيرها، فكتب روبرت غرين تُلَخِّص وتستشف وتشرح
ما في كتاب فن الحرب وكتاب الأمير لمكيافيللي، والتي تحوي الكثير من الخدع والتحايل،
ولكن من أجل حماية النفس، وحمل الناس على السلوك التعايشي الممكن، بينما بقية كتب
التنمية البشرية التي أفدت منها تركز على المبادئ والقيم والثبات عليها مع محاولة
استصلاح من يمكن استصلاحه والتعايش مع البقية أو إخراجهم من حياتك، فحاولت في هذا
الجمع أن أُقَرِّبْ بين النظرتين، وذلك برجوعي لمصادر غرين، فقد قرأت فن الحرب
وكتاب الأمير، وزدت عليه المطارحات لمكيافيللي، ولخصت وأضفت وتصرفت في العبارة كثيراً،
وأتيت بها كما هي حينا آخر وهو القليل، ودمجت كتب غرين كل موضوع في مكانه المناسب؛
نظراً لما بينها من تشابه وتداخل وتكرار في كثير من الأحيان، وهي كتب ضخمة، وفي
الغالب لن يقرأها كثير ممن يفضلون التغريدات القصيرة، والسنابات الصغيرة، فقلت
ألخص ما مر ذكره مما يتصل بالبرغماتية، وأُسقطها على البرغماتية الاجتماعية
والمهنية إن صحت التسمية، وأمزجها بما رأيت وسمعت في أماكن العمل، وأحاديث الناس،
وشكاوى المتأذين، واستشارت المستشيرين، وهذا هو ما قام به جميع من تناول هذا الموضوع،
وإن لم يكن بشكل مباشر كما أفعل وأصرح هنا، فتكون هذه الصياغة الجديدة التي أضفت عليها
وحذفت ونوعت الأمثلة بحسب خبرتي المتواضعة، ومن خلال سلسلة الرقص على رؤوس الأفاعي
كالدليل العملي في التعامل مع العالمين.
المقدمات
الناس مجبولون على السعي
لما فيه مصلحتهم، ودفع المفسدة قدر ما يستطيعون، والغالب أنهم يرون أن سبيل ذلك هو
السيطرة، بل إن أشد الناس تظاهراً بالزهد في السيطرة هم أقلهم زهداً فيها،
إنهم يضللونك عن مساعيهم للتحكم، بما أنك في هذه الحياة ستنزلق رجلك إلى حلبة
الصراع، مهما كنت لطيفاً، أو راغباً في سعادة الجميع، فلا فائدة من تجاهل ذلك، فهو
يجعلك معزولاً أو مصدوماً.
ستعمل مع الناس، وتقدم
الخير، ثم تتفاجأ بمن يعمل الحسابات، أفق من غفلتك، لا تنس براءتك، ولا تطمس
طيبتك، ولكن كن حذراً مما يُحاك في الخفاء، ومتنبها لما يدور حولك، هناك فراشات،
وهناك أفاعي، لا تقتل الأفاعي، ولكن لا تسمح لها بقتلك، إما ابتعد عن طريقها، كي
تتهارش فيما بينها، وإلا فأتقن فن الرقص على رؤوس الأفاعي، وذلك من أجل نفع الناس لما
فيه خيرهم، فإذا كان هذا شرٌ لا بد منه، فأبدع في هذا المجال.
ميادين المنافسة
عندما يكون المجتمع الذي تعيش
فيه، أو مكان العمل الذي تنتمي إليه عبارة عن ميدان يعج بالمنافسة غير النزيهة وأنت
مرتبط به، ولا تستطيع الفكاك منه، فلا داعي للهرب من القَدَر، فلن يجر عليك ذلك
إلا المتاعب، وزيادة التهميش الذي يؤدي بك إلى الذبول المتدرج، وعوضاً عن الصراعات
التي لا داعي لها، وعوضاً عن الشكوى والانتحاب، فمن المفيد فهم القواعد،
والمنطلقات التي يقف على أرضيتها سكان الغابة، إن كنت في غابة فلا تسمها بغير
اسمها، لأنك بذلك تخسر الكثير، والكلام ليس عاماً فهناك مجتمعات صحية، سليمة،
الكلام هنا موجه لمجتمعات خاصة، تحمل طابعاً خاصاً، وأزمة خاصة، فهذه التدوينة
موجهة لفئات محكومة ببيئات ضاغطة بشكل مريع.
التهيج العاطفي
الماضي ماضي وانتهى، لا
تعود إليه إلا لأخذ العِبَر، أما الانتحاب العاطفي الداخلي فلن يزيدك إلا ضعفاً
وهذا ما تريده الأفاعي.
العاطفة تُخرجك من
التحكم، العاطفة تغطي العقل، العاطفة تجعلك خارج السيطرة، العاطفة تشوه ردود
أفعالك، اِملك أمرك، حَكِّم عقلك، أضبط عاطفتك، لا تندفع، كن رزيناً، جبلاً لا
تهزه الريح، ولا تقتلعه الأعاصير، أنت القائد لا المشاعر، لن تبصر الطريق إذا
تصرفت تحت تأثير الشعور، ستضيع، وتطلق الأحكام، وتخسر الكثير، وتُخرج أسوأ ما فيك،
التغيظ سيلتهمك، لا تبدأ أحداً بالعداوة، ماذا تستفيد؟
لا شيء!
فقط هو يأخذ حذره منك،
ويحيك لك المكائد، التي إن أفلت من أحدها، فقد لا تفلت من الأخرى، ومهما كان هذا
الشخص متواضعاً فالفأر يدمر أعتى السدود.
خيانة الأصدقاء
لتكن ثقتك في محلها،
ولتكن ثقة محدودة، عقلانية، واقعية، لا مطلقة وبلا حدود، وحتى مع الأصدقاء
فلدغاتهم أشد سُمِّيةٌ من غيرهم، لبصرهم بنقاط ضعفك، وجروحك الملتهبة، حيث سيعصرون
عليها الليمون بأشد ألوان السادية.
أحذر من الذين أنقذتهم،
أو قدمت لهم معروفاً، وكلما كان هذا المعروف كبيراً، فليكبر معه حذرك، فمن الناس
من طبعه الخساسة، وشعوره بالنقص مُفْجِع، فإذا مددت له يد العون اشتعل في صدره
الحسد، ورأى في وجودك تهديداً لنفسه الصغيرة.
هل رأيت خيانة تأتي من
عدو، العدو يريد إلحاق الضرر بك علناً، أو في الخفاء، ولكن لا أحد يسمي مكائد
الأعداء خيانة، إذن مصطلح الخيانة مصمم خصيصاً للأصدقاء، ومخصص للذين أكرمتهم
فتمردوا لتجذر اللؤم فيهم، بل إن هناك متعة في العمل مع العدو العاقل النزيه
الشهم، لا يعرفها إلا أصحاب الآفاق الواسعة والأرواح الكبيرة، العاقل يعرف مصلحته،
والجاهل يضرك ويضر نفسه.
صديقك الغافل لا توقظه،
ولا تقربه من المطامع التي قد يبيع ضميره من أَجْلِها ويكون فيها أَجَلُه، إنه إذا
شم رائحة الغنائم قد تتحرك في داخله نوازع الخيانة والانقضاض، إلا إذا كان ذلك
تكتيكاً لغرض معين، أعطه ما يشبعه بلا تخمة تمرضه، تدرج في ذلك كي تشغله عن
التفكير في كسر الجرة، بالفعل قد تُفسد أصدقاءك، بل أقرب الناس إليك؛ بسبب سذاجتك
التي تسميها طيبةً وإيثارً، من الأهمية بمكان أن لا تؤثِّر هذه العواطف على أهدافك
العليا وقيمك الأسمى، انفصل عن اللحظة الحاضرة وفكر بموضوعية أكبر في الماضي
والسابق والمستقبل، وهذا من أجلك، ومن أجل أصدقائك، وفي صالح الجميع.
نشدان العدالة
تذكر أن لا تضيع حياتك في
تجرع آلام الضحية، ونشدان العدالة والنزاهة، وبث المثاليات المجنحة، والتعجب ممن
آذاك أو خدعك أو خذلك، إنهم لا يأبهون بك إلا بمقدار ما يسحقونك فلماذا تقوم
بالعمل نيابة عنهم.
الصراخ وردة الفعل
المبالغ فيها، والتي تنم عن عدوانية كامنة لا تعتبر مفيدة، بل آثارها مدمرة على
المدى البعيد، نعم قد تمدك بشيء من اليقين المؤقت، وتلفت انتباهك لرعشة يد من تصول
عليه، وخفقة قلبه، وتراجع قدميه، وذعر عينيه، لكنها عملية عكسية للغاية، بخلاف
أولئك الذي يبتسمون لك، ويفسحون الطريق بانحناء الخُلدْ المَكَّار، والذي يَسُنُّ
أنيابه في الخفاء ليغرسها في ظهرك بعدما دَوَخَتك سَكَرة النصر الفارغ، إذن
انتظر، تحلى بالهدوء، راقب، سترى الأحابيل، لا يستخفك مدح ولا قدح، ستكون يقظاً لا
سكراناً، نظرتك بعيدة واسعة، لا قريبة ضيقة.
التفاوض مع الأفاعي
في التفاوض مع غير
الأخلاقيين بادر، كي تحدد شكل الخيارات، أنت تفعل وهو يغوصون في ردود الأفعال، يدافعون
وأنت تهاجم، السياق حددته سلفاً، سيتلوون في المصيدة، تلك اللحظة تماماً تحتاج منك
الهدوء، البرود، سترفع درجة الحرارة وتنزلها بحسب المصلحة والظرف المواتي، سيتضعضعون،
ويكثر بينهم اللغط ويتعثرون، لأنهم في موقع غير مألوف، وفي جسر يلفه الضباب، قد
حددت شكل طاولة التفاوض، وعدد الكراسي، وروح المكان، إنك تبتسم بلطف، وتدعك يديك
بحنو، وتملي شروطك بثقة.
أحياناً تحتاج أن تلعب على
المكشوف، "أنتم انتهازيون وأنا برغماتي"، لأنك صادق وهدفك الكسب للجميع
من دون حيل انتهازية.
بإمكانك أن تخيرهم بين تركهم
إذا أصروا على التلاعب الخفي أو بقائك والوضوح مع ما فيه من آلام لمن لم يتعود عليه،
إن إعطاءهم الخيار يجعلهم حقيقين، سواء بقيت أم رحلت.
لا تقسو في العقاب فيتغيظوا
منك، الأيام كفيلة بتسديد الركلات الموجعة لكل مراوغ، حينها سيتعاملون معك
وهم يعرفون عواقب الأفعال الجيد منها والرديء، لذلك حتى لو تضرروا فسيعلمون أن هذا
من صنع أيديهم.
من الجيد أن تجعلهم يختارون
طريقة الوفاء بالشروط الجزائية، يديك نظيفتين، لم تفعل شيئاً، هم اختاروا طرف
العصى فكيف يرفضون طرفها الآخر.
القرار لهم
يحتاج الناس إلى الشعور
بأنهم في موضع السيطرة، وأنهم أصحاب القرار، وليكن أنت لا تريد شيئاً سوى العمل
الجماعي النابع من رغبة كي تتحقق النتائج بيسر، أعرض عليهم الخيارات المنصفة
الصحيحة المفيدة التي يعم خيرها الجميع، وأحياناً ليس عليك أن تحدد الخيارات فلديهم
خيارات منصفة وصحيحة ومفيدة، وتعم الجميع، ولكنك لا تعرفها، استمع لهم، وذلك سيتيح
لك أيضاً معرفة من عقله لا يتجاوز أنفه، أو أن الأنا خاصته متضخمة جداً، فتعيده
إلى رشده، أو تعيده إلى أهله، فلست مسؤولاً عنه.
الهجوم المباغت
قد تضطر إلى هجمة مفاجأة
تشتت من خطط لإيذائك، وهذا مما يجعل الطرف الآخر في حالة دفاع من دون وقت للتفكير،
حينها ستقع منه أخطاء ولا بد، وهذا هو الذي تسعى إليه، حينها سيترنح بين يديك،
ويدخل في سياقك، ويقبل شروطك بوصفك صاحب الأرض والعَرَض، وهذه الحركة مناسبة عندما
تكون جاهزاً لها، فعدم مباغتته يعطيه وقتاً ليتقوى، ولا يعطيك الانتظار أي شيء.
يقول
سون تزو في فن الحرب: ((عموماً، إن الذي يستولي على الأرض أولاً، وينتظر وصول
العدو يكون في وضع قوي، ومن يصل إلى أرض المعركة متأخراً، ويهرع إلى القتال يجد
نفسه مسبقاً في وضع ضعيف)).
هذه المقدمة تعطي فكرة عن
روح هذه السلسة، وهذه المعاني ستجدها متناثرة في ثناياها.

تعليقات
إرسال تعليق