الكوالا السعيد
أحداث الحياة ليست سلسلة في خط زمني مستقيم، الأسباب المنظورة
ليست بالترتيب الذهني الذي نقصده، تخيل الحياة دواليب ضخمة تدور ويشتبك بعضها
ببعض، ويدعم بعضها بعضاً كي تتحرك، وأحياناً تصطدم هذه الدواليب، وتتحطم بفعل هبوب
الريح، أو شدة الأمطار، أو غيرها من العوامل، ولا يدل على ذلك أكثر من اجتهادك في
مشروع معين، وتقديمك الدراسات اللازمة، وجمع الفريق الممتاز، ومن ثم ينهار
المشروع، أو ينجح، أو يستمر بلا نجاح ولا فشل، تدخل في علاقة حب عظيمة، ثم تنتهي
بكلمة واحدة!
من قال
بضرورة النجاح؟ النجاح شيء مطلوب،
ولكن هل هو ممكن في كل شيء، وفي كل وقت، وتحت أي ظرف، ومع كل أحد؟
من قال إن
نموذج النجاح واحد؟ النجاح نجاحات،
وكثير من الناس ناجح وهو لا يدري، وكثير من الناس يسعى خلف نجاح وهمي، وأكثر منهم
من يلهث خلف سراب يظنه نجاح، وما هو إلا برمجة مجتمعية قديمة أوحت إليه بأن هذا هو
النجاح الذي يحتاج إليه!
من قال إن
النجاح الآن فقط؟ الحياة دوائر
ممتدة، وحيوات متعددة، ونسخ متراكمة، وقد يكون مجموع خبرتك في الحياة هو كنزك
الحقيقي، والذي ستركن إليه في سكون، ويمدك بالجوابات المفيدة في حياتك.
أنت
بحاجة لوقت للجلوس مع نفسك، للحديث مع نفسك، للتعرف على نفسك، من أنت؟ وماذا تريد؟
وإلى أين تسير؟ وإلى متى؟
تعال
معي، سأريك شيئاً، لندخل الغابة، هل ترى ذاك الدبوب المتعلق على غصن الشجرة، ويمضغ
الأوراق وهو يبتسم؟
هو ليس
دبوب، بل هو الكوالا، ومن فصيلة الكنغر ولأنثاه جيب في بطنها لولدها مثل الكنغر،
إنه ينام عشرين ساعة في اليوم، ويقضي الأربع ساعات المتبقية، وهو يأكل كما ترى،
إنه يعيش فوق الشجر بشكل دائم، ولا يؤلم رأسه بمفاوضات الغابة ونزاعات الغابة،
ينام ويأكل ويبتسم للحياة، هل تعلم أنك بحاجة إلى أن تتحول إلى كوالا سعيد لفترة
ما، إذا كثرت عليك المشاغل والضغوط، كن كوالا بشكل مؤقت، ثم ارجع للحياة وفق هذا
النمط المقترح لتصميم الحياة اسمع مني:
صقل
الشخصية يحتاج إلى وقت، إتقان المهارة يحتاج
إلى صبر، التركيز مهم، السعي في حد ذاته وصول، عندما تصل لحالة التدفق، وأنت تعمل
على ما تحب فأنت ناجح، النجاح قبل النجاح هو النجاح المستدام، النجاح الذي في
اليد، إن الاستيقاظ في الصباح الباكر وأداء العمل الذي تحب، وممارسة الهواية التي
تحب، والرياضة أو التأمل الذي تحب هو النجاح.
الخيال
الواسع يدل على الاسترخاء، هل ينقصك الخيال؟ هل
عنصر الخيال مفقود في حياتك، لماذا أنت ميت لهذه الدرجة، حرك مكامن الخيال لديك،
أخرج للطبيعة، غير نوعية الكتب، ألتقي أصدقاء جدد، تحرك.
حتى
الترفيه لا ينبغي أن يكون واجباً وبسرعة،
الترفيه متعة، استمتع لآخر قطرة، أعط الترفيه وقته وعش في لحظته.
حتى
المناسبات والضيافة فرصة للمرح، المناسبات صارت قيداً
ومسؤولية، وتصبب عرق، ومحاولة الخروج أمام الضيوف بأحسن حلة وتقديم، أين الحب؟ أين
الألفة؟ أين السعادة؟ أنا أدعوك لأني أحبك، وأفرح بقربك، وأسعد بلقائك، وأضحك معك،
لا أتفاخر عليك وتتفاخر علي!
الواقعية
الفاقعة شد للأعصاب، بعضهم سوداوي للنخاع، جاد لدرجة الهوس، ناقد أعمى، منفعل بشكل
دائم، الحياة في عُرْفه معركة، ويجب أن يفوز فيها، ويرقى على جماجم الأعداء!
لا
تحلل كل شيء وكل موقف، ولا تبالغ في دراسة
شخصية من يهمك أمرهم، عش بعفويتك، مارس براءتك، احم نفسك من العدوانين والمخادعين
فقط، الحياة مزرعة، بذورك تحددها أنت لا غيرك، أزرع الفرولة وستنعم بطعمها، أزرع
الحنظل وستتقيأ العلقم، المعادلة بسيطة لا تعقدها، وأصلح ما أفسدته فالدهر بريء،
ولم يفسد شيء!
لا
تغتصب السعادة، السعادة ليست واجباً ملحاً، ولا عقوبة مُستعرة، السعادة حالة
متنقلة، تأتي وتذهب، هَيِّء نفسك لها باعتدال، وأفرح بها إذا جاءت، وودعها بسلام،
ومن ثم استقبلها مرة أخرى.
التدفق
يشبه الغطس في الماء ونسيان الوقت، تدرب على التدفق، لا
تمل من التدريب، الشحذ، الصقل، التعلم، أقض ساعات فيما تحب وتريد أن تتقن، جرب
الانغماس أكثر وأكثر، وسيعتدل مزاجك، ويهدأ بالك، وتتعاظم قدرتك، وتشعر بالثقة
المتزنة.
الضغوط
تعتري الجميع الفرق في طريقة الاستقبال والتعاطي، وكل الخلق يعانون، وتجتمع عليهم الظروف الصعبة، وتتلبد
سمائهم بالغيوم، ولكن هناك من يرقص تحت المطر الأسود، وهناك من ينوح على جرح بسيط،
كن ماهراً في إدارة الضغوط، مارس الانفصال المحمود في وقته المناسب، لا شيء يدوم،
ولا حال يستقر، فكن رشيقاً.
الشموع-مقهى كلاسيكي-شارع
يبث عبق التاريخ-عطر فواح يداعب الحواس، نظف
بيئتك، عطر بيئتك، نوع حياتك، جمل مكانك، تحرك في أطياف الذاكرة الحلوة، جدد دماء
قلبك الوردي.
يا أخي كن كوالا قليلاً.
تعليقات
إرسال تعليق