الاحتفال من الداخل
دعني
أخبرك بمعلومة صغيرة، ذهنك يعمل بشكل آلي وعلى مدار أربع وعشرين ساعة، ويخلق عدد
من السيناريوات، ويعقد العديد من الصفقات، ويصفي الكثير من الحسابات، ويريد إعادة
تشكيل الكون وفق رؤيته المحدودة.
فقط
هذه هي المعلومة، تأملها جيداً، واقترح عليك أن تتوقف قليلاً لتتأمل هذه المعلومة
قبل أن تكمل التدوينة.
فقط
تأمل.
الاحتفال
من الداخل، يعني عيش الحياة بالكامل، الاحتفال ليس مهرجاناً، ولا كرنفالاً، ولا
جماهيراً، ولا لمة أصحاب، الاحتفال المفيد من الداخل، سواء كان في مهرجان، أم
كرنفال، أم بجماهير، أم بأصحاب، أم بوحدك، الاحتفال من الداخل يساوي الوجود، إذا
لم تحتفل من الداخل فأنت غير موجود، إذا لم تكن موجوداً فأين تكون إذن؟
تكون
سابحاً في حديثك الداخلي الطويل الممل، والسؤال المهم من أين يأتي هذا الصوت؟
إنه
يأتي من الداخل! يعني مني أنا!
لا
إنه ليس منك أنت.
إنه
صوتي!
لا،
ليس صوتك.
صوت
من إذن؟!
إنه
تعبير عن ضغط الغازات السامة في رأسك، أنت مضغوط، أنت تراكم، أنت كيس من الجلد
مملؤ بالعظام المرتجفة.
عندما
تتراكم الضغوط على شخص ما، ولا ينفس عنها بالطريقة الصحيحة، وعندما تتراكم الآلام
على شخص ما، ولا يتشافى منه بالطريقة الصحيحة، فإنها تظهر على شكل حديث داخلي
دائم، يسلب الإنسان حياته، فلا يمكنه من عيش الحياة وبالتالي الاحتفال بها، وإنما
يظل يحلل الحياة، يفحص الحياة، يخاف من الحياة، يحتمي من الحياة، وتمضي الحياة،
وهو يظن أنه حكيم وعاقل ومحلل، ولا يدري أنه مسلوب، ومصلوب على مذبح الضغوط والآلام.
الحياة
قوية، الحياة قبلك، الحياة بعدك، الأحداث مستمرة، ولن تغيرها بحديثك الداخلي
الهدام، حديثك الداخلي لا يعني لأي أحد أي شيء، وأنا أسميه حديثك الداخلي، وهو في
الحقيقة ليس أنت، ولا يعبر عنك، إنه صوت مصنوع من مادة الضغط والألم، لا تكافحه
فقط أكتف بمعرفة مصدره، ثم راقبه إذا أقبل، وودعه إذا رحل.
هل
تعلم ماذا تستفيد من هذا الإجراء؟
ستستفيد
أمرين في غاية الأهمية وهما:
الاهتداء
إلى طريقة التخلص من الضغوط بالطريقة الصحيحة والتوقف عن هدر الطاقة بلا داع،
الأمر الآخر ستتكلل جهودك في الرقي بذاتك بالنجاح في وقت قصير، لأنك تخلصت من
الثقل الجاثم على صدرك، والذي يكتم أنفاسك بالثرثرة العقلية المبددة للطاقة.
مشكلتك
ليست في الأحداث، مشكلتك في تصوير عقلك للماضي والحاضر والمستقبل، إنه يلونه
بالرماد، ويحثو على روحك الرمل الساخن، ويقلبك على جمر الأرق.
إن
هذا الصوت الذي تظنه صوتك لا يفتأ يعيد لك تشكيل الشوارع والأبنية والغابات، إنه
يصف لك الطيور، ويشرح الحيوانات، ويصدر الأحكام على البشر، ما هذا!
متى
ستتنفس روح الطبيعة!
متى
ستعيش الحياة!
عندما
يقوم بهذا العمل المزدوج، الحديث الداخلي النابع من الضغط والألم، والحديث الداخلي
الموكول بشرح العالم لك وفق رؤيته العابسة، فإن مجموع هذا ستمسيه خبرتك في الحياة،
وتبدأ على هذا الأساس تتخذ القرارات المشوبة بالحذر والفوبيا والتوجس من العلاقات
والمشاريع والهوايات، وتكتب أروع ما توصل إليه الفن الإنساني من وصف بارع للعزلة،
والكوب الأزرق، والطاولة الخشبية، والموسيقى الكلاسيكية، والسجائر الباردة!
متى
ستعيش!
متى
ستحتفل داخلياً!
الاحتفال
يبدأ هنا والآن، هذا الصوت الداخلي ليس أنت، ولا يعبر عنك، ولا يصلح كخبرة تقوم بتوظيفها،
أنت جديد، متألق، متكيف، قابل لإعادة الضبط، تحرر من هذا الصوت، أضحك عليه، أسخر
منه، راقبه، تفرج عليه، سيتهاوى في مقعده الرمادي، ويضع يده على جبينه بأسى،
هنيئاً لك لقد اصطده، قبل أن يلتهمك يا أسد.
سأودعك،
لكن خذ هذه المعلومة أيضاً، هل تعلم أن هذا الصوت، سينتفض من مقعده، ويأخذ بيدك،
ويضعها بين يديه، ويشكرك مليا، لقد أنقذته وأنقذت نفسك، سيكون مسخراً لك بعد اليوم
في فتح البوابات الجديدة، في التأملات الرفيعة، في النفوذ لأعمق الأماكن، والرحيل لأسحق
الأزمان، والنهل من معين حكمة العصور، سيكون رفيق دربك الوفي الذي لا، ولن يخونك
أبداً، هنيئاً لك، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا.
تعليقات
إرسال تعليق