التمدد البطيء

 


هل تحتاج إلى الاسترخاء بشكل مُلِّح؟

هل أنت متعب؟

هل خارت قواك جراء الركض المتواصل؟

هل تخثر وجودك بسبب تغطيتك لكثير من الأجزاء الحساسة فيك؟

الحياة المعاصرة تمدك بكل ما أنت بحاجة إليه من مواد للهروب، ووضع العربة أمام الحصان، والدخول في دوائر مغلقة، والاختباء خلف عوالمك الرقمية.

لكن الذي يحدث أنك تترنح نهاية المطاف، وتبدأ رحلة البحث الفطرية عن حياتك كإنسان بلحم وعظم، يحتاج الهواء المنعش، والشمس المشرقة، والرمل النقي، تحتاج أن تتكشف، وتتطهر، وتُبَطِّئ وتيرة الحياة المجنونة.

البُطء نعمة، البُطء حياة، البُطء وجود، البُطء نتائج، البُطء تحقق، البُطء تجلي، البُطء تمدد.

في داخل كل واحد منا ندبة من ندوب الزمن، ولا نزال نحمي هذه الندبة، ونحوطها، ونخفيها، ونهتاج إذا اقترب منها قول أو فعل أو شخص، فنبالغ في التقوقع، ونمعن في الانغماس الداخلي، ونهرب ونهرب.

عقولنا تعمل بسرعة، أجسادنا تركض بسرعة، نشرب بسرعة، نأكل بسرعة، نستمع للموسيقى بسرعة، نتنقل بين القنوات والمقاطع بسرعة، لقد كان الناس في السابق يجلسون بالساعات في حفلة غنائية نصفها مواويل نراها مملة، ولا نندمج إلا مع موسيقانا الرقمية ذات المؤثرات العالية والترددات السريعة، وكان الناس في السابق يحضرون الندوات التي تمتد لساعات بغير سأم، وعقولهم حاضرة طيلة الوقت، بينما لا نتحمل المقطع إذا تجاوز الدقيقة، ما الذي يجري؟

لا علاقة لك بهذا أنت مسؤول عن نفسك، مرن عقلك على البطء، أقرأ كثيراً فالقراءة تمد العقل بالتوازن، مجرد فعل القراءة أياً كان يفعل ذلك، وكلما كان الكتاب عميقاً ومناسباً لك كان المفعول أعظم، تأمل في اللوحات الفنية وأطل الوقوف أمامها، مارس التنفس بشكل صحيح، مارس التأمل، وأطل مدته بالتدريج.

دعني أخبرك بهذا الأمر الجلل:

هل تعلم أنك لو ظللت تختفي، وتحتمي، وتخاف من أحزانك القديمة، وتنزعج من كلمة قلتها هنا، أو فعل ارتكبته هناك، وتشعر بالخجل والتواري، وترغب في أن تبتلعك الأرض أحياناً، أنك سُتعطل إنسانيتك، وتعارض قوانين الحياة، وتتكلس قدراتك، وتموت مهاراتك، وتتوقف عن التمدد.

أنت مشتت، أنت مكون من: (خائف ومخوف عليه)، كن واحداً، ظاهراً وباطناً، لا تشعر بالخزي، كن مرآة مصقولة، مارس نفسك بطبيعتها، اسمح لها بالتمدد، لا تتعجل، لا ترتبك، لا ترغب في كل شيء والآن، إذا رأيت شيئاً تتمنى الحصول عليه، لا تفكر فيه، هو موجود وحسب، تريد هذا وهذا وهذا، ثم تفلس من الجميع، إذا سمعت قصة محزنة لا تنساق معها وتخاف منها، هي موجودة وحسب، القصص المؤلمة يعج بها العالم، هل ستخاف منها! إذن أنت ميت، أنت قبر متحرك، والعجيب أنك تُسرع أيضاً! قبر سريع!

إن التمسك الشديد بالمشاعر، والتمسك الشديد بالأفكار، والطواف حولها، بالإضافة إلى الركض المستمر في ميادين الحياة يخلق منك فرداً مشدوداً، هارباً، ممتقعاً، متوتراً، غير حقيقي، غير موجود، فكيف تتمدد إذن!

إنك تبذل مجهوداً مضنياً، وتبيع طاقتك في سوق النخاسة، وتحارب في غير معركة، هيه توقف!

ستجد من يريد أن ينقض عليك في كل مكان تذهب إليه، ستسمع نفس الكلمات المخيفة، بما أنك تركز على مناطق الألم فستقفز في وجهك كالفطر السام أينما حللت، وحيثما رحلت، ومع كل من التقيت.

لا تنساق خلف مشاعرك التي تدعوك للتدرع الدائم، ولا تنساق خلف أفكارك المهووسة بشكلك وقولك وعقلك عند الناس، ولا تنساق خلف المحفزات الكثيرة، والتي تؤزك للسرعة ثم السرعة ثم السرعة، بَطِّء سيرك.

ستخاف وتغار وتقلق وتفتخر وتشعر بالعار، لا بأس هذه المشاعر موجودة، هذه المشاعر ليست أنت، هي مشاعر تعتري الجميع، فقط لا تعطيها نفسك، لا تنغمس فيها، لا تتماهى معها، لا تقرر بناء عليها، راقبها، أضعفها باللامبالاة وستتلاشى تدريجياً مع اعتمادك البطء في الحياة.

أعلم بأنك مقتنع تماماً، ومرتاح تماماً، وتريد الدخول لجنة البطء المفيد، ولا تمانع من التمدد الذي يُمَكِّنُك من بلوغ أقصى إمكاناتك في هذه الحياة، الباب مفتوح فقط تفضل بالدخول.

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خريطة الوهم، تسمية الأشياء بغير أسمائها

متاهة العقول المتورمة "تضخم الجسد الفكري ودمية ماتريوشكا"

الفطر الحكيم🍄