البرابرة قادمون "طبائع النفوس"


البرابرة قادمون

طبائع النفوس

الحمقى في كل مكان

المزعجون في كل مكان

قليلي الذوق في كل مكان

البرابرة قادمون، فلا تستهلك طاقتك في التعجب من هذه المخلوقات العجيبة، بل استثمرها لصالحك بحيث تتدرب عليها، وتكتشف مواطن مهاراتك في التعامل مع غريبي الأطوار، لا تتعمد إدخالهم إلى حياتك فالحياة أقصر مما تتصور، ولن تعيش على هذا الكوكب إلا مرة واحدة فاجعلها حياة مطمئنة، ولكن ليس على كل حال أنك ستتحكم في ظروفك، ومواقفك، وأحداث حياتك، فعندما تلقي الأمواج على شاطئك هذه العينات فتفحصها بدقة، وأمعن النظر فيها بعينين باردتين، وبروح رياضية.

مع أهلك، ومن تحب أظهر الحب تعامل بالحب توازن فقط، وذلك يكفي ولا تطبق شيئاً مما في هذه التدوينة فهي موجهة لمجتمعات اختيارية، أما من هم منك وأنت منهم، ولو كان فيهم شيء من السُمِّية فتجنبه وعاملهم على أساس الرابطة الحقيقية وهي الحب ولا شيء سواه، وسيأتي اليوم الذي يكون تعاملك الراقي هو علاجهم وشفاء أرواحهم المُعَذَّبَة.

مع الشخصيات الطبيعية كن طبيعياً، كن على فطرتك، مارس عفويتك، استمتع بصحبة الحياة مع الأحياء الطبيعين، ولا تطبق شيئاً مما سيأتي في هذه التدوينة أيضاً؛ لأنها موجهة لوضع خاص، هي عبارة عن وصفة لحالات معينة، لذلك تذكر أنك:

تتورط مع الشخصيات السامة إذا عاملتهم كأشخاص أسوياء!

شخصية سامة يعني: لا نضج، لا إنصاف، لا فهم، لا واقعية، لا منطق، لا طبيعة سوية

هل فكرت يوماً أن تتجول في الغابة، وتنثر الورد على رؤوس الضباع والأفاعي!

لكن هناك خطة جيدة لترويض هذه المفترسات، اصطحب معك دوماً قطعة من اللحم، وَلَوِّح بها كَطُعْم مؤقت، طُعْمٌ متدرج، قَدِّم مصالحهم وستلتمع تلك الأعين الجشعة بكل ضراوة الغابة، إنها لغتهم الأثيرة:

ماذا ستعطيني؟

أين مصلحتي؟

بكلمات قليلة، موجزة، مفيدة لهم، وستأخذ منهم ما تريد إن كنت تريد شيئاً أصلاً، ولكن احذر على يدك، كي لا يعضوها، وستعرف ذلك جلياً عند أدنى شعور منهم بشيء يهدد مصالحهم المعنوي منها أو المادي، هنا تكشر تلك الوجوه المسالمة، وتبرز المخالب، وتبدأ الأصوات بالهدير المتقطع، وما أن تظن أنهم ينطلقون من نفس قواعدك القيمية، أو يقصدون بكلماتهم المؤذية ما قد تقصده أنت فقل على قلبك وعقلك السلام، فإما أن تتعامل معهم كما مر وإلا فالفرار الفرار، أنفذ بجلدك.

لنا علاقات أياً كان نوعها بأصناف من البشر، نشعر بالحيرة إزاء تصرفاتهم الغريبة، وكل يوم يُسْقط في أيدينا بسبب خيانة أو طعنة أو برود، إننا كذلك نفعل هذا، ننطق بكلمات لا نحسب لها حساباً نُسيء بها إلى الشخص الخطأ، ولا ندري لماذا قلنا ما قلنا، نتعجب، نندم، ولا ندري أن كل هذا جزء من تركيبتنا الفريدة وطغيان مزاجنا على عقولنا

أنت مزاج ولست فقط قرارات منطقية.

تستمر الأخطاء، ونحن نفكر ونبحث عن الأسباب الظاهرة، والواقع أننا سطحيون للغاية في غمرة الحياة وتفاعلاتها المذهلة، نحن كائنات عاطفية، تعمل تحت تأثير الشعور، وتستجيب للانفعالات القوية المُلَحِّة، مع أن الأمر يحتاج إلى شيء من التروي، والتفكير العميق، وتفكيك العقد القديمة، ومعرفة الأسباب والدوافع الكامنة لنا ولغيرنا، حينها ستكون الحياة أسهل بكثير.

لو تعلمنا كيفية التعامل مع أنماط الشخصيات المختلفة حينها سنكف عن التعجب طوال الوقت، والتفاجؤ طوال الوقت، والاستياء طوال الوقت، وستجري الأمور على ما يرام، وسيقف كل شخص سيئ فعلاً عند حده المعلوم، سيكون اللعب على المكشوف، وتتوقف تلك المناورات المنهكة البائسة، سنقرأ ما بين السطور، ونسلط على حكايات الآخرين المزيفة النور، ونكشف الألاعيب من قبل أن تأخذ دورتها المكررة المشؤومة.

إذا فهمنا أنفسنا بشكل جيد، ووقفنا على جذور معاناتنا من الداخل، حينها لن تظهر على السطح تلك الآلام التي نسلطها على الآخرين بمناسبة وغير مناسبة، فكثير من الصراعات الخارجية سببها صراع داخلي غير محسوم، لا علاقة له بصراعتنا الخارجية، نحن غامضون، متناقضون، فينا النور والظلام، الخير والشر، وكل نوازع بني البشر

فهمنا الأصيل لتكويننا النفسي خير معين على التجاوز المريح، وبهذا الوعي ستقل الأنماط السلبية في سلوكنا، وسنتوقف عن اختلاق الأعذار لأنفسنا، والتبرير لغيرنا، ونعمل بعقولنا لا بمشاعرنا المختلطة، كي لا نجذب الكثير من هذه العلاقات.

تحتاج إلى الهدوء، وأنت تتعامل مع الآخرين، كي تنقذ نفسك من الانخراط في المونولوجات غير المفيدة التي سلبتك طاقتك بلا أي مردود.

لا تحتاج كي تفهم الناس أن تنغلق على نفسك، وتغرق في ذاتك، ويتملكك التفكير فيما يظنه الناس عنك، وطريقة فهمهم لك، أنت بهذا تكون مشغولاً بالأنا خاصتك، فكيف ستفهم غيرك، وتقدم لهم أفضل ما لديك، وتستخرج أفضل ما لديهم في يُسْر؟

أخرج من ذاتك بخطوة، وسترى كل شيء

سترى أن:

الناس عاطفيون في الغالب، يتصرفون تحت تأثير العواطف

لديهم مشاكل قديمة عميقة تؤثر على تعاطيهم مع الحياة وفهمهم لها، لذلك يسبغون عليك صفات غير موجودة، يريدون منك شيئاً ما، ينتظرون شيئاً ما، يعطونك دوراً ما، يخترعون لك أهدافاً وسياقاً في الحياة من عندياتهم، يُصَعِّدُون معك المواقف بلا قصد، لكنك دخلت على مسارهم قَدَرَاً، لا تشخصن كل شيء، لا تقلق من كل هذا، بل العكس ينبغي عليك أن تفرح بهذا الفهم الجديد، وترتاح من المحاولات المرتجفة لتسوية الأمور.

ستفهم الدوافع والأسباب وراء الهمز واللمز، وراء البرود المفاجئ

لن تتأثر

لن تبالغ في ردود الأفعال

لن ترد على كثير من الترهات لأنه لا معنى لها وهي في الوقت نفسه لا تكافئ ما ستبذله من طاقة في التعامل معها

ستتوقف عن إصدار الأحكام

ستكون أكثر طمأنينة

سيرى الناس فيك الحكمة

سيقتربون منك

سيحبونك

ستتوقف عن التصنيفات الذهنية المباشرة، والانطباعات السطحية، وادعاء أنك تفهم الآخرين

ستتبخر حكاياتهم، وطريقة تعريفهم لأنفسهم

ستفهمهم بحق

ستكتشف أنماط شخصياتهم إذا أوليت هذا الأمر العناية المطلوبة، مع أخذ مسافة من الهدوء للتركيز أكثر

لن تنخرط في مسرحياتهم المملة بسهولة

ستمتلك الخبرة اللازمة للتعامل مع العدوانيين، ستخرجهم من حياتك، أو ستعاملهم بالشكل المطلوب

ستتماسك أكثر أمام هيجانهم المستمر، سترى نقاط ضعفهم وما يحاولون إخفاءه خلف هذا الزئير المبحوح

سينهارون أمام جبل الجليد خاصتك

سيتهورون أكثر ويقعون في الحفر التي يحفرونها لك

لا يحيق المكر السيء إلا بأهله

سترى في كل هؤلاء فرصة لتدريب عضلات قلبك

ستفهم المحركات العامة للسلوك الإنساني

ستكف عن تقديم النصائح المجانية، والمناشدات المثالية لحزب البغال والثقلاء ومتبلدي الإحساس

ستطفئ مقاومتهم لك بضغطة زر

ستتعرف على مخاوفهم الكامنة، وتتعامل معها بلطف

سترمي لهم بعضاً من قطع اللحم، وسيأتونك هرولة

ستتغير من الداخل

الداخل يشع للخارج لن تنهمك في الإصلاحات الخارجية التي استنفدت قواك

عندما تكون في أفضل حالاتك، وتتوهج بالإيجابية الواقعية

ستخطف الأنظار، وتهفو إليك الأرواح لتقتبس من نورك

سترى عيوبهم فيك وتتخلص منها

ستعترف بصدق أمام نفسك بأنك لست كاملاً، بل بشراً يحمل الكثير من الأخطاء

ستتعاطف مع سكان الغاب، ولن يكون شغلك تهذيبهم بقدر ما تهتم بالتعايش الممكن، والتأثير بالأفعال لا بالأقوال

ستكون طبيعياً، مُحَلِّقاً، مُتَخَفِّفاً من صورتك الذهنية المُرْهِقَة

سيستفيد منك الكثير من الناس إن كنت كذلك

ستقل علاقاتك ولكنها ستتعمق

ستكون مُتَقَبِّلاً لنفسك

مُنفتحاً على جميع الاحتمالات، سترى الفرص

ستخرج من قوقعتك محكمة الإغلاق.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خريطة الوهم، تسمية الأشياء بغير أسمائها

متاهة العقول المتورمة "تضخم الجسد الفكري ودمية ماتريوشكا"

الفطر الحكيم🍄