الأم تريزا المطرودة "عندما يغيب المنطق"
الأم تريزا المطرودة
عندما يغيب المنطق
عندما تدخل على الطبيب هل تراودك فكرة أنك مريض مثالي، يسمع الكلام، ويتماثل للشفاء بشكل سريع، ويمدح قدرات الطبيب الخارقة!
يعتبر هذا تَفَكُّر في تغذية احتياجات الطبيب النفسية، فتطريه، وتبجل فريقه، وتصف موقع عيادته المناسب، وتأثيثها الآسر.
إذا كنت تعاني من مرض ما، وطريق العلاج طويل هل تكتفي بالوسائل المعاصرة للاستشفاء كجلسات التدليك، أو ارتياد المنتجعات الصحية؟
إذا كنت تواجه بعض المشكلات هل تكتفي بقراءة الكتب، أو حضور الدورات التدريبية؟ مع علمك أن الموضوع أكبر من ذلك بكثير، وأنك بحاجة لتغييرات مفصلية، وبذل بعض التضحيات، وتقبل شيئاً من الألم!
ضع أهدافك في ورقة بيضاء عادية لا دفتراً غلافه مصنوع من الجلد المُعَتَّق.
تَعَرَّف على جانبك الذي لا تحب، لكن لا تقضي عليه.
تذكر أن الجميع يأخذون فخذ
ركز ولا تتشتت
اختلف مع الآخرين في الرأي لا بأس بذلك.
خذ هذه الفائدة المعروفة
والمُغَيَّبَةُ عن ذهنك:
(وسائل التواصل لم تُصنع
من أجل التفكير العميق، وبالإدمان عليها تتضاءل معامل التفكير السليم
هذه الوسائل تحمل خلافات
الناس، وآراء الناس غير الناضجة، ومهازل الناس، وحكاياتهم التي لا نهاية لها، أين
عقلك؟ توقف عن هذا الانخراط المحموم والعطاء المتواصل من وقتك وجهدك، هذه غفلة
كبيرة منك، ستتسلل من خلالها الأفاعي في العالم الواقعي والافتراضي وتلدغك).
هذه مجرد مقدمة بسيطة
توضح المقصود من هذه التدوينة الذي يفترض أنها موجهة لشخص يطفح بالعواطف الطَيَّارة،
ولا يملك زمام طريقه في الحياتين الواقعية والافتراضية، فدخل في دولاب ضخم يرفع
الناس إلى الأعلى، ويهوي بمشاعرهم إلى الأسفل وهم متعلقون، ولا يملكون القرار، ولا
يعيشون الاستقرار.
حوارك الداخلي يحدثك بأنك
عقلاني، وأن أفعالك تصدر عن حكمة وموازين عقلية ثابتة، وهذا غير دقيق فالعقلانية
ليست بالضرورة تولد معك بشكلها الكامل والذي يعمل طوال الوقت، بل هي ممارسة
تتكلفها وتنميها، وذلك عن طريق العزلة المفيدة، وتهميش عويل الآخرين ومشاكلهم، إذا
كنت في حالة قلق، خوف، عواطف ملتهبة فكيف تريد أن تفكر تفكيراً عقلانياً، أو أن
تفوز بقرارات عقلانية، اطرح على نفسك بعض الأسئلة:
لماذا أنا غاضب، مستاء، أُصدر
الأحكام، انتقد على طول الخط، أَطْلُب استحسان الناس؟
شيئاً فشيئاً ستتخلص من
طفرة العواطف، ستهدئ، ويعمل عقلك باتزان، سترى المصلحة، العاطفة تخنق العقل، وتعطل
أعماله الشريفة، ستتبدى لك الاحتمالات المفيدة، ستبزغ لك الفرص، سترى النور، ستتضح
الرؤية، وتمشي على هدى.
هل تتخذ قراراتك تحت تثير
المشاعر؟
اسمع مني: كلنا يزعم أن
قرارته مبنية على العقل والفيصل في ذلك هو أن نعرف أن الشخص الذي يستخدم عقله:
ينهي ما بدأ به من عمل،
يعرف ماذا يريد، ينسجم في فرق العمل.
أما الذي يستخدم مشاعره:
لا ينهي ما بدأه، لا يدري
ماذا يريد، لا ينسجم مع فرق العمل.
كي
تتحرر فعلياً من ضغط المشاعر وتأثيرها على قراراتك ومواقفك، عليك بالبحث عن
دوافعك، مخاوفك، نحن نقتنع بالشيء لحاجة في النفس، ثم نبحث عن برهان يؤيد رأينا، ونجد في
الإنترنت ما يوافق ما ذهبنا إليه، ننخدع ببعض الشكليات، والحقائق الأولية، نؤكد
بعض الفرضيات لا لشيء إلا لأن مجتمعنا أو بيئتنا يصادق عليها، ونحن نخشى الانفراد،
وعدم التناغم، "غياب المنطق، تعاظم العاطفة، الأهداف الكلامية الكبرى، الخوف
من الآخر"، كلها أيقونات مصاحبة لروح الجماعة، استفد من بيئتك، ولكن احتفظ
بمسافة تضمن لك التفرد العقلاني المفيد لك ولهم.
نصحح
أخطاءنا، ونبدأ نتظاهر بأننا تعلمنا الدرس، ونحكي تجربنا المريرة للآخرين، ولا
يعدو ذلك أن يكون حيلة نفسية بارعة، بدليل أننا نعود لنقع في نفس الأخطاء، نستمر
في الدوامة؛ لأننا نتوهم العظمة أو السمو العقلي.
تؤثر
فينا عوامل خارجية عدة، فتخرجنا عن السياق العقلي المفيد.
جروح
الطفولة تُخَيِّل لنا أوهام في كل مجتمع ندلف إليه، فنرى الأب المخيب للآمال في
شخصية المدير المخيب للآمال وهكذا.
الشهرة
المفاجئة تُطيش العقل وتوقع الإنسان في حماقات أو رفع سقف توقعات من نفسه يندم
عليها لاحقاً، ولا يستمع للناصحين؛ لأنه يراهم حاسدين!
في
لحظات التوتر الشديد راقب مشاعرك سيظهر على السطح أمور يجب عليك معالجتها.
أصحاب
الشخصيات الكارزمية، والذين لا يتكئون على عمل جاد متقن متواصل، احذر منهم، فإنهم
يقودونك للضغط العاطفي ولا بد، سواء كنت لهم أم عليهم، هم دوامة الهلاك فاحذرهم.
مر عليك أوقات تكون فيها
على ما يرام، عواطفك تحت السيطرة، قراراتك حكيمة، لا تُستفز بسهولة، هذا يخبرك
بأنك تستطيع أن تكون كذلك لمدة أطول، وفي أماكن أكثر.
عندما تمر ببعض الضغوط خذ
وضعية المتفرج، هناك تصرفات تظهر على السطح، مشاعر، رغبات، تريد الانغماس في لذة
ما، تمارس العنف، تَتَمَلَّك، تشك، تحسد، تتكبر، ابحث عن جذر المشكلة، ثم روض هذا
الجموح، وحقق أهدافك بعيدة المدى.
لا تستعجل في ردود
أفعالك، أو التوقيع على العقود، أو الموافقة على طلب، لا تقرر تحت الضغط، أو أن
تكون في حالة هبوط نفسي، انعزل، تريث، أطبخ قراراتك على نار هادئة.
الطيبة الزائدة، العطاء
الأهوج، المثالية العمياء، تخيل أنك نسخة الأم تريزا، وهذا يجعلك مطروداً من
ضميرك، مطروداً من واقعك، مطروداً من الحياة، الأم تريزا بريئة، الأم تريزا
ممتازة، لكنك نسخة مُقَلَّدة!
أنت لست عقلانياً بالقدر
الكافي، العقلانية ليست طحين الذهن، وكد العقل، وتحليل الأرض والسماء والأشياء
والأحياء، بل تعني:
اتحاد العقل بالروح
قيادة القلب الهادي
الدليل الواضح نحو صناعة
الإنسان الكامل، الذي هو أنت.
تعليقات
إرسال تعليق