الأم تريزا المطرودة "عندما يغيب المنطق"
الأم تريزا المطرودة
عندما يغيب المنطق
عندما
يغيب المنطق، تبدأ المشاعر في الهيمنة على قراراتنا، هل سبق لك أن ذهبت إلى الطبيب
معتقدًا أنك المريض المثالي، الذي يتجاوب بسرعة مع العلاج، ويشيد بقدرات الطبيب
الخارقة، وموقع عيادته المناسب، وتأثيثها الآسر؟
في
كثير من الأحيان، نغفل عن الحقيقة: قد يكون هذا المدح المفرط مجرد وسيلة لتغذية
احتياجات الطبيب النفسية. في مثل هذه الحالات، قد تضعف قدرتك على التعبير عن
احتياجاتك الحقيقية، مما يؤثر على العلاج نفسه.
وهذا
ينسجم مع ما أشار إليه دانيال كانمان في كتابه "التفكير السريع
والبطيء"، حيث بين أن مشاعرنا يمكن أن تسيطر على القرارات العقلانية،
مما يجعلنا ننحرف عن اتخاذ الخيارات الأنسب.
أحيانًا
نبحث عن حلول سطحية لمشاكلنا، مثل حضور دورات تدريبية، أو مجرد قراءة
كتب، أو الاكتفاء بالوسائل المعاصرة للاستشفاء كالمنتجعات الصحية، معتقدين أن هذا
كافٍ!
هذه
الحلول قد تكون مفيدة في بعض الأحيان، لكن إذا لم تقم بتغييرات جذرية في سلوكك
أو طريقة تفكيرك، ستظل المشاكل قائمة، فكما هو الحال في الأزمات المالية، قد
تجد نفسك تتدرب على أساليب جديدة للتوفير، أو تُحضر استشارات مالية، ولكن ما لم
تقم بتعديل عاداتك اليومية أو الطريقة التي تدير بها أموالك، فإنك لن تحقق
الاستقرار الفعلي.
ضع
أهدافك في ورقة بيضاء عادية لا دفترًا غلافه مصنوع من الجلد المُعَتَّق
تَعَرَّف
على جانبك الذي لا تحب، لكن لا تقضي عليه
تذكر
أن الجميع يأخذون فخذ
ركز
ولا تتشتت
اختلف
مع الآخرين في الرأي لا بأس بذلك
ببساطة
ركز على أهدافك، الكثير منا يتخذ من
العوائق ذريعة للتأجيل، لكن الحقيقة هي أن النضج لا يأتي من الهروب من المشاكل،
وبعض الممارسات التي ظاهرها التحسين باطنها التخدير
النضج
يأتي من القدرة على مواجهة عيوبك بشكل واعٍ
قد
تشعر أنك بحاجة لتحسين كل جوانب حياتك قبل اتخاذ خطوة ما، ولكن المفيد أن تبدأ
الآن حتى وإن كنت لا تشعر بما تظنه الاستعداد الكامل
قد
تجد في عيوبك فرصًا لبناء قوتك الشخصية
في
هذا العالم المليء بالصخب، وسائل التواصل الاجتماعي ليست المكان المثالي
للتفكير العميق، هذه المنصات تغذي مشاعرنا السطحية أكثر من أي شيء آخر، إذا
قضيت ساعات في متابعة أخبار لا تفيدك أو في جدالات فارغة، ستلاحظ كيف يبدأ عقلك في
التشويش، في النهاية ستجد نفسك تستهلك طاقتك في أمور لا قيمة لها.
وخذ
هذه الفائدة المعروفة والمُغَيَّبَةُ عن ذهنك:
(وسائل
التواصل لم تُصنع من أجل التفكير العميق، وبالإدمان عليها تتضاءل معامل التفكير
السليم لديك، هذه الوسائل تحمل خلافات الناس، وآراء الناس غير الناضجة، ومهازل
الناس، وحكاياتهم التي لا نهاية لها، أين عقلك؟ توقف عن هذا الانخراط المحموم
والعطاء المتواصل من وقتك وجهدك، هذه غفلة كبيرة منك، ستتسلل من خلالها الأفاعي في
العالم الواقعي والافتراضي وتلدغك).
هذه
مجرد لمحات بسيطة توضح المقصود من هذا الطرح الذي يُفترض أنه مُوَجَّه لشخص يطفح
بالعواطف الطَيَّارة، ولا يملك زمام طريقه في الحياتين الواقعية والافتراضية، فدخل
في دولاب ضخم يرفع الناس إلى الأعلى، ويهوي بمشاعرهم إلى الأسفل وهم متعلقون، ولا
يملكون القرار، ولا يعيشون الاستقرار!
حوارك
الداخلي يحدثك بأنك عقلاني، وأن أفعالك تصدر عن حكمة وموازين عقلية ثابتة، وهذا
غير دقيق فالعقلانية ليست بالضرورة تولد معك بشكلها الكامل والذي يعمل طوال الوقت،
بل هي ممارسة تتكلفها وتنميها، وذلك عن طريق العزلة المفيدة، وتهميش عويل الآخرين
ومشاكلهم
إذا
كنت في حالة: (قلق-خوف-عواطف ملتهبة...) فكيف تريد أن تفكر تفكيرًا عقلانيًا؟ أو
أن تفوز بقرارات عقلانية؟
اطرح
على نفسك بعض الأسئلة:
لماذا أنا غاضب، مستاء،
أُصدر الأحكام، انتقد على طول الخط، أَطْلُب استحسان الناس؟
شيئًا فشيئًا ستتخلص من طفرة
العواطف، ستهدئ، ويعمل عقلك باتزان، سترى المصلحة
العاطفة تخنق العقل،
وتعطل أعماله الشريفة
ستتبدى لك الاحتمالات
ستبزغ لك الفرص
سترى النور
ستتضح الرؤية
ستمشي على هدى
هل تتخذ قراراتك تحت تثير المشاعر؟
اسمع مني: كلنا يزعم أن قرارته مبنية على العقل! والفيصل في ذلك هو
أن نعرف أن الشخص الذي يستخدم عقله:
-يُنْهي ما بدأ به من عمل
-يعرف ماذا يريد
-ينسجم في فرق العمل
أما الذي يستخدم مشاعره:
-لا يُنْهي ما بدأه
-لا يدري ماذا يريد
-لا ينسجم مع فرق العمل
كي تتحرر فعليًا من ضغط
المشاعر وتأثيرها على قراراتك ومواقفك، عليك بالبحث عن:
دوافعك/مخاوفك
نحن
نقتنع
بالشيء لحاجة في النفس، ثم نبحث عن برهان يؤيد رأينا، ونجد في الإنترنت ما يوافق
ما ذهبنا إليه
ننخدع ببعض الشكليات،
والحقائق الأولية
عندما
تكون في حالة من التهيج، تصبح قدرتك على اتخاذ قرارات عقلانية أقل، في مثل هذه
اللحظات، يجب أن تتوقف وتسمح لعقلك بالهدوء، حتى تتسنى لك فرصة التفكير بوضوح
إذا
كانت لديك مشكلة في العمل، مثل نزاع مع زميل، فبمجرد أن تعطي نفسك فرصة للتفكير
بعقل هادئ، ستتمكن من التعامل مع الموقف بحكمة أكبر،
كما أوضح روبرت بيلينغز في دراسته حول "القلق
وتأثيره على الإدراك"، فإن القلق يعيق القدرة على اتخاذ
قرارات منطقية ويزيد من اندفاع الأفراد نحو قرارات غير مدروسة.
نُصَرُّ
على تأكيد بعض الفرضيات لا لشيء إلا لأن مجتمعنا أو بيئتنا تصادق عليها، ونحن نخشى
الانفراد، وعدم التناغم
"غياب
المنطق، تعاظم العاطفة، الأهداف الكلامية الكبرى، الخوف من الآخر"
كلها
أيقونات مصاحبة لروح الجماعة!
استفد
من بيئتك، ولكن احتفظ بمسافة تضمن لك التفرد العقلاني المفيد لك ولهم
إن
الانجراف وراء آراء الجماعة قد يؤدي إلى تبني أفكار غير عقلانية فقط لأنك
لا تريد أن تنفصل عن باقي المجتمع، إذا كنت مدفوعًا فقط برغبة في الانسجام
مع الآخرين، قد تجد نفسك متورطًا في أفكار أو أفعال قد تضر بك في بعض الحالات، كما
يحدث مع منتج أو خدمة يروج لها الجميع، قد تشعر بأنك مجبور على الانضمام فقط
لأن الآخرين يفعلون ذلك، دون التفكير في احتياجاتك الحقيقية.
نصحح
أخطاءنا
نبدأ
نتظاهر بأننا تَعَلَّمْنا الدرس
نحكي
تجاربنا المريرة للآخرين
ولا
يعدو ذلك أن يكون حيلة نفسية بارعة، بدليل أننا نعود لنقع في نفس الأخطاء
نستمر
في الدوامة؛ لأننا نتوهم العظمة أو السمو العقلي.
تؤثر
فينا عوامل خارجية عدة، فتخرجنا عن السياق العقلي المفيد لنا
جروح
الطفولة تُخَيِّل لنا أوهام في كل مجتمع ندلف إليه، فنرى الأب المخيب للآمال في
شخصية المدير المخيب للآمال وهكذا.
الشهرة المفاجئة تُطيش العقل وتوقع
الإنسان في حماقات أو رفع سقف توقعات من نفسه
يندم عليها لاحقًا، ولا يستمع للناصحين؛ لأنه يراهم حاسدين!
في لحظات التوتر الشديد راقب مشاعرك سيظهر على
السطح أمور يجب عليك معالجتها.
من السهل أن نقول "لقد تعلمنا من
أخطائنا"، لكن الحقيقة قد تكون مختلفة، في كثير من الأحيان نكرر نفس الأخطاء لأننا
لم نتعمق بما فيه الكفاية في السبب الحقيقي وراء تلك الأخطاء، عندما نعتقد أننا
تجاوزنا، نعود مرة أخرى لنقع في نفس الفخ لأننا لم نغير ما يجب تغييره فعليًا، هذه الفكرة مدعمة بدراسة أكسفورد حول
"التعلم من الأخطاء"، التي أثبتت أن معظم الأفراد يعيدون تكرار الأخطاء
بسبب عدم الفهم العميق لجذور المشاكل.
أصحاب الشخصيات الكارزمية،
والذين لا يتكئون على عمل جاد متقن متواصل، احذر منهم، فإنهم يقودونك للضغط
العاطفي أو اتخاذ قرارات بناءً على مشاعر لا
عقلانية،
سواء كنت لهم أم عليهم، هم دوامة الهلاك فاحذرهم
ستجد نفسك في بعض الحالات، تميل نحوهم فقط
بسبب تأثيرهم الكبير عليك، لكن هذا قد يؤثر على قدرتك على التفكير بموضوعية، غالبًا
ما تؤدي هذه الشخصيات إلى الضغط العاطفي مما يُضعف القدرة على اتخاذ قرارات
عقلانية.
الكارزما في ذاتها ليست خيرًا
ولا شرًا، بل هي طاقة مؤثرة، يمكن أن تتحول إلى قوة ناعمة للبناء أو إلى أداة
للهدم!
ما يحدد اتجاهها ليس البريق
الذي يلفها، بل الجوهر الذي تقوم عليه، فإذا وجدت الكارزما متجذرة في الصدق،
ومدعومة بعمل متراكم، ومتصلة برؤية واضحة، فإنها تصبح مصدر إلهام حقيقي، ترفعك إلى
مستويات أعلى، وتمنحك الشجاعة لتجاوز حدودك المألوفة.
أما إذا تجردت من الجوهر،
وانحصرت في المظهر أو الاستعراض، فإنها سرعان ما تنقلب إلى وسيلة للضياع، تضعف
قدرتك على التفكير الموضوعي، وتسلب منك وضوح القرار.
لذلك، اصبر على الكارزمية
الصادقة وإن قست عليك أحيانًا، فإن شدتها تحمل لك منفعة، واحذر من الكارزمية
الخادعة مهما أغرتك ببريقها، فهي طريق مسدود.
إن بعض أصحاب الكارزما
الصادقة يشبهون المعلِّم الصارم أو القائد الحازم؛ قد يواجهونك بكلمات جارحة
للحظة، أو يدفعونك إلى مواجهة عيوبك دون مجاملة، أو يطالبونك بعمل متقن لا يقبلون
فيه التهاون.
هذه القسوة ليست لإسقاطك ولا
لإضعافك، بل لصقل قدراتك وإخراج أفضل ما فيك.
شدتهم في ظاهرها إزعاج، لكن
في باطنها بناء رصين، لأنها تدفعك إلى تجاوز حدود الراحة، وتمنعك من الاستسلام
لكسلك أو أوهامك.
لذلك قد تمر بك فرصة عظيمة،
لكن تراكم التجارب المؤلمة قد يضع على عينيك ألف حجاب، فلا تراها بوضوح أو تسيء
فهمها، فتضيع منك إلى الأبد…
وإذا ضاعت من يديك، تتخبط بين
الفرص، وتختلط عليك الوجوه، حتى لا تعود تدري من أنت ولا ماذا تريد.
فإذا
كانت التجارب السابقة، أو ما ظننته فرصًا وهو في الحقيقة زيف، قد آلمتك؛ فإن
انتزاع الفرصة الصحيحة يكون أشد إيلامًا، وتشوه النظرة بعدها أشد ضراوة، والغشاوة
أعظم، لأن مفعول الحقيقة أقوى من مفعول الزيف.
ومن
أعظم صور ضياع الفرص، أن تمرَّ بك شخصية كارزمية حقيقية تحمل صدقًا ورؤية وجوهرًا،
لكنك لا تراها كما هي؛ لأن تجاربك مع الكارزمية المزيفة شوَّهت عينيك، فتُسقط على
الصدق خشونة الزيف، وعلى العمق سطحية الاستعراض الممل، فتخسر فرصة نادرة كان يمكن
أن ترفعك، فقط لأن الزيف غطَّى على الحقيقة.
سيأتي معنا في الفصل القادم
طريقة التعامل مع ذاتك إن كنت شخصية كارزمية.
مر عليك أوقات تكون فيها على ما يرام:
عواطفك تحت السيطرة، قراراتك حكيمة، لا تُسْتَفَز بسهولة، هذا يخبرك بأنك تستطيع
أن تكون كذلك لمدة أطول، وفي أماكن أكثر.
عندما تمر ببعض الضغوط خذ وضعية المتفرج،
هناك تصرفات تظهر على السطح:
"مشاعر، رغبات، تريد الانغماس في لذة
ما، تمارس العنف، تَتَمَلَّك، تشك، تحسد، تتكبر"
ابحث عن جذر المشكلة، ثم روض هذا الجموح،
وحقق أهدافك بعيدة المدى.
لا تستعجل في ردود أفعالك، أو التوقيع على
العقود، أو الموافقة على طلب، لا تقرر تحت الضغط
أو أن تكون في حالة هبوط نفسي، انعزل،
تريث، أطبخ قراراتك على نار هادئة.
الطيبة
الزائدة، العطاء الأهوج، المثالية العمياء، تخيل أنك نسخة الأم تريزا، وهذا يجعلك:
مطرودًا
من ضميرك
مطرودًا
من واقعك
مطرودًا
من الحياة
الأم
تريزا بريئة، الأم تريزا أصلية، لكنك نسخة مُقَلَّدة!
أنت
لست عقلانيًا بالقدر الكافي!
العقلانية
ليست طحين الذهن، وكَدَّ العقل، وتحليل الأرض والسماء والأشياء والأحياء، بل تعني:
اتحاد
العقل بالروح
قيادة القلب الهادي
الدليل الواضح نحو صناعة
الإنسان الكامل، الذي هو أنت.

تعليقات
إرسال تعليق