البيئة الميتة

 

البيئة الميتة

يغلب على كثير ممن تخالطهم الأنانية، وقد تكون أنانية مفرطة، عندما تكون شخصاً جيداً، سوياً، كريماً، ستتوقع أن العالم يشبهك، وأن المحيطين بك يحرصون على مصلحتك كما تحرص على مصلحة الجميع، لا يا عزيزي لا تسير الأمور على هذا النحو دائماً، فعلاً هناك بيئات نظيفة معطاءة، تتبادل المشاعر العالية، ولكن هناك بيئات ميتة، هامدة، بل وقاتلة، فإذا كنت لا تعرف هذا فأعرفه، إنك لا تعني لهم أي شيء، أنت فقط مادة للتسلية، أو تغيير الجو، أو سَمِّه ما شئت، أنت موجود فقط، وإذا مُت أهالوا عليك التراب، وتبادلوا الطرائف والنكت بعد ساعة أو ساعتين من دفنك!

قد تعمل مع أشخاص غايتهم الإنجاز فقط، ولو كان على حسابك، والصعود على كتفيك، ورفسك بعد ذلك، وقد تعمل مع الذين همهم تلقي المدح بأي ثمن، وقد تعمل مع الذين يهمهم الوفاق والتناغم، ولو على الخطأ وتكريم الأشرار، ويريدون أن يخلطوا السم بالعسل غفلة منهم، لذلك لا تستغرب إذا لم يقفوا معك إذا وقع عليك الظلم، فغايتهم السلام والوئام مع الأفاعي، ولو رأوا الأفعى تتلوى عليك وتعضك، لقالوا تَحَمَّل إنها أفعى، ويُتْعِبُها السُم دعها تبث في جسدك القليل منه، لا عليك!

ستعمل مع الذين يحرقون البخور بين يدي المدير؛ وليس للعمل، ولا للإنتاجية، ولا لك أنت أي قيمة، هي بيئات سامة، إياك أن تدخلها بعفويتك المعهودة، العفوية هنا ظلم لك وللعمل وللحياة، كن مهنياً، يقظاً، لا تبني علاقات هنا، ولا تأخذ دور المصلح الاجتماعي، فقط أد عملك، وابحث عن مصلحتك، ولا تضر أحداً، وقم بحماية نفسك جيداً.

لن يتعامل كل الناس مع بعضهم برقي ووضوح، ولن يكون كل الناس جيدين، أنت في غابة مشتعلة في بعض أماكن تواجدك، لا يُستثنى من ذلك مكاتب العمل ولا بيوت الأقارب، ولا غيرها، "وأذَكِّر أن الكلام ليس عاماً بل عن بيئات وظروف خاصة"؛ أجعل الأمور مكشوفة، استدرجهم من مخابئهم، كن واضحاً، محدداً، مباشراً في تعاملك مع هؤلاء، وخذ هذا المثال البسيط بإمكانك أن تقول لأي أفعى:

يا هذا في ثلاث مرات عارضت رأيي بلا حجة لديك، أو غيرها من الأمور التي تكون محددة، ودعه يجيب.

أو قل له: في ثلاث مرات تستفيض بالشرح للزملاء، بينما عندما أطرح سؤالاً تشيح عني، فهل من خطب؟

لا تقول: أنت تعارضني دائماً، أو أنت تشيح بوجهك، بل كن محدداً في وقت كذا ويوم كذا وعدد مرات كذا، كي تقطع الطريق على الردود المفتوحة الباردة، لأنه سيقول لك: أنت حساس، أو لم ألحظ ذلك، أو غيرها من الردود العامة التي تناسب اعتراضك العام، كن محدداً.

الحياة واسعة، وتحوي كل أنواع البؤس والأُنس، الخير والشر، النور والظلام، الكائنات المتنوعة، والإنسان وما أدراك ما الإنسان: أنماط شخصيات، أطوار غريبة، أمزجة متقلبة.

تنويعات الحياة غير متناهية لا تحاول التحكم فيها، ولا السيطرة عليها، ولا الوقوف أمام جموحها، لأنك ستنهار، ستغرق، ستهلك، سيضيق أفقك، وتتقلص فرصك، وتنعدم خياراتك، انفصل عن شعورك بالنقص، وعن آلامك القديمة، واحتياجاتك التي لم تلبَّ، كن منفتحاً، مستقبلاً، متقبلاً، كن صاحب نفس كبيرة، وصدر رحب، ستتعرض للهجوم في بعض الأحيان، لا عليك، تنفس بهدوء، وأسأل المهاجم عن سبب غضبه، اعتذر إن كان هناك ما يستدعي، ثم هَوِّن عليه، وقل له: كلنا ننزعج ونمر بنفس الشعور.

الأنا هي سبب مشكلات العالم، كن موضوعياً، أفهم نفسك، أفهم الناس، أفهم مجتمعك، كن بارداً كالثلج، وطَمِّن قلبك على الدوام، فلا شيء يدوم.

يقول فيرنون هوراد: ((إذا وجه إليك الإنسان الآلي تعليقاً وقحاً، فإنك لن تشعر بالإهانة، لأن الأنا الخاصة بك لا تشعر بالانزعاج من مجرد ماكينة، ولكن لعدم انتباهك إلى أن معظم الأشخاص قد يتصرفون بالآلية نفسها، فأنت تجعلهم في موضع اتهام بالنسبة للأنا، وذلك يجعلك تشعر أنهم يستطيعون إيذاءك، عندما تستطيع أن ترى الآلة الكامنة وراء شخصية البشر لن تشعر بالإهانة)).


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خريطة الوهم، تسمية الأشياء بغير أسمائها

متاهة العقول المتورمة "تضخم الجسد الفكري ودمية ماتريوشكا"

الفطر الحكيم🍄