دفة الحياة


 دفة الحياة

الدفة التي يدفعها القبطان جهة الشمال، أو جهة اليمين تحدد الوجهة المبتغاة، ولو دفعها القبطان بقوة إلى أي الاتجاهين سيضطر أن يعيدها بقوة إلى الجهة المقابلة لتحقيق قانون كوني قضى على كل شيء بالارتكاز.

تلحظ أنك تختار الحمية الغذائية، ثم تفرط في ذلك، لتعود بعدها لساحات الطعام فاغر فاك، وتلقي بكل ما لقيته على طريقك في جوفك.

تلحظ أنك تختار العزلة، ثم تفرط في ذلك، لتعود بعدها لساحات المجتمع تسيح فيها، وتتشاعر مع كل أنواع التناقضات الاجتماعية.

تلحظ أنك تختار الوحدة، ثم تفرط في ذلك، لتعود بعدها لساحات العلاقات تذوب فيها، وترتبط بكل من هب ودب.

تلحظ أنك تختار تنظيم الوقت، ثم تفرط في ذلك، لتعود بعدها لساحات الفراغ تضيع فيها، وتقضي كل أوقاتك في التفاهات.

تلحظ أنك تختار التصوف، ثم تفرط في ذلك، لتعود بعدها لساحات الملاهي تعبث فيها، وتلابس كل مجون العصر الحديث.

أنت مرتبك، حياتك مرتبكة!

أين القوة في هذا؟

أين الراحة في هذا؟

لا تُشدد على نفسك، لا ترتبك، لا تذهب في كل شيء إلى أقصاه، لأنك سترتد إلى أقصاه مرة أخرى!

لماذا تحفر الحفرة بأظافرك حتى تدمى، وتستغرب إذا أصابك الدوار ووقعت فيها؟

لماذا تقفز بسرعة من ضفة إلى أخرى، هل الحياة هكذا، الحياة مرتكزة، موجودة، لكنك مفقود، أو في عداد الموتى!

السير في الحياة ينتظم عبر عناصر محددة، ونواميس معلومة، لا مجال للتسكع على ضفاف الحياة، فلا ثمة إلا غبار اليأس والحيرة.

القوى المحركة للحياة تشبه القوى المحركة للسفينة التي تضرب عرض البحر، أنت القبطان، والشراع قوة، والرياح قوة، والأمواج قوة، وعمق المياه قوة، والبوصلة قوة، والساعة قوة.

إذا حاولت أن تنفرد بهذه القوة لوحدك فأنت تخسر كل شيء، وتتحطم سفينتك، وإذا سلمت هذه القوى سفينتك، ولم ترتكز للتنسيق بينها فأنت تخسر كل شيء، وتغرق سفينتك أمام عينيك.

الارتكاز لا يتطلب جهوداً كبيرة، بل لا يتطلب أي مجهود، فقط يكفي أن تكون موجوداً، حاضراً، يقظاً، وستتم العملية من خلالك، أنت كائن حي متفاعل، ومنسجم مع الحياة، وهي تدعمك وتكون في صفك على الدوام، لأنك لا تذهب بعيداً مع كل فكرة، ولا مع كل شعور، إذا صرخ أحدهم في وجهك، انتهى الموقف ولم تحمله لسائر يومك، لقد خمد في مكانه، وأنت جاهز وجديد لعيش الحياة، واستقبال الاحتمالات الأحلى.

الفشل تدريب، النجاح فرح لطيف وغير مُسكر، السعادة ضيف لذيذ، ترحب به إذا حل، وتودعه بالشموع لا بالدموع.

المنجزات يسيرة وقريبة، لا تتكلفها بل هي تسير إليك في خفر ودلال ظاهرين، غيرك يقضم الصخر ليستخرج الصمغ المُحَلَّى، وأنت تذوب في شمع العسل الهش، والذي هو في المتناول، وفي غاية الصفاء.

ما يتطلب فعله في أسبوع، يتم لك في ساعة، تيارك الخاص نقي، صوتك طاهر، مجالك مُشع، طاقتك موفورة.

أنت لا تصرف الأوقات الطويلة في تنظيف الطريق جراء تنقلاتك من النقيض إلى النقيض، وقتك معك، هدفك معك، أنت الطريق، وأنت الهدف.

الارتكاز ليس نقطة تتجه إليها، بل سلك موصول يسلك بك كل طريق وحال، بين الغذاء والهواء والماء والأحياء والأشياء، إنه يسلك بك كل مجالات الحياة في خفة وجمال.

أفرد الشراع، وجه الدفة، تنفس الهواء المنعش، واستمع لأغاني البحارة، أغمض عينيك بسلام، أنت في عين الأمان، بسم الله مجراها ومرساها.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خريطة الوهم، تسمية الأشياء بغير أسمائها

متاهة العقول المتورمة "تضخم الجسد الفكري ودمية ماتريوشكا"

الفطر الحكيم🍄