ومضات الاستبصار
ومضات الاستبصار
نحن البشر نفكر، ونفكر في
تفكيرنا، ونتعاطف، ونعمل تحت ضغط الشعور، ونظن أن تصرفاتنا تصدر عن عقولنا، بينما
في الحقيقة كثير من أفعالنا وردود أفعالنا مبنية على المزاج، والهوى، والرغبة
النفسية، والميول العاطفية، والتحيزات بأنواعها، لذلك نقع كثيراً في التناقض،
ونعاني عدم التماسك والاتساق.
قد نخطط بشكل مدروس، ولكن
في خضم التنفيذ نخرج عن المسار بسبب بعض الانفعالات، أو تكون لنا ردود فعل عاطفية
إزاء بعض المستجدات، قد نهدم ما بنيناه في سنوات بقرار واحد، أو موقف واحد، أو ردة
فعل واحدة، لا يعني ذلك أننا كلنا بهذه الصورة، فهناك من يملك البصيرة، أو الرؤية
بعيدة المدى، أو الانضباط الشخصي لإتمام الأعمال الكبيرة، لذلك تَفَكَّر في نفسك،
وفي حياتك، وفي قراراتك، فهي التي أوصلتك اليوم إلى هنا، فإن كنت في منطقة جيدة،
وإلا فتدرب أكثر على ضبط نفسك، بما يفيدك، وتوازن بين عقلك وقلبك.
المتزن، الحكيم، قد تظن
أنه بارد، أو بلا طعم، أو هو عديم الإحساس بالحياة والمباهج، بالعكس هو أعمق من
يمتص روح الحياة ليخرجها في صور إبداع وخَلَقٍ جديد، إنه بارع في العيش بشكل ملفت،
بينه وبين الأحداث مسافة كفيلة بالتروي واتخاذ القرار المناسب لكل حال، يضحك في
وجه الأزمات، يدرك أن كل شيء سيكون على ما يرام.
لا أعني الحكمة المتقطعة،
الانفصال الذي يحضر ويغيب لمدد طويلة، ومضات الاستبصار الصغيرة، لا فكل الناس يملك
شيئاً من هذا، بل أقصد الحكمة المستدامة، والانفصال المتكرر، المسافات المدروسة
الحية دائماً، فكثير من الناس يتعامل برشد في أول الأمر ومن ثم ينتكس، وتصفعه
الأحداث ويرد الصفعات بمثلها، وتخور قواه نهاية الأمر ويستسلم، أو يتنازل قبل
الأوان في أي تفاوض، نَفَسُه قصير جداً.
الخطط طويلة المدى،
والمبنية على اعتبار الماضي، وسَبْر المستقبل، وحضور الواقع، واستباق الأحداث،
والرؤية من منظور واسع، والتماسك النفسي، تجعلنا في منطقة هادئة، إنك لا توصف
بحلال المشاكل، ولا المنقذ الدائم، ولا السوبرمان الخفي، لا، أنت تقتلع المشاكل من
جذورها بحسم، كي لا تقوم لها بعد ذلك قائمة، مما يجعلك محاطاً بالأقوياء، أولى
الأيد والأبصار، لا بالفراش المتهافت على النار.
تعليقات
إرسال تعليق