من أنت؟ التطور الروحي

 

من أنت؟

التطور الروحي

هذا السؤال يملك إجابة حاضرة على الدوام

فهو مجموعة المفاهيم والمعتقدات عن الذات

والتي من خلالها يتجاوب الإنسان مع الحياة بكافة تفاعلاتها:

"الآراء، الاختيارات، المواقف، القرارات، ردود الأفعال، الاستحقاقات"

ولكن هل تعرف من أين جاءتك تلك المفاهيم والمعتقدات عن الذات؟

وكيف تكونت؟

ومنذ متى؟

وهل هذه المفاهيم والمعتقدات واقعية أم لا؟

وهل تعرف هذه المفاهيم والمعتقدات أصلاً؟

بمعنى أنت تبني تجاوبك مع الحياة على أساس هذه المفاهيم والمعتقدات

ولكن هذه المفاهيم والمعتقدات غير واضحة في ذهنك

فإن لم تكن واقعية وأيضاً غامضة، فمعنى ذلك أن آراءك واختياراتك ومواقفك وقراراتك وردود أفعالك كلها غامضة، متناقضة، هل عرفت من أين تتسرب حياتك!

كيف تتعرف على هذه المفاهيم وأنت لا تدري من أين جاءتك، ولا كيف تكونت، ولا متى، ثم هي غائمة في عقلك!

والأعجب من ذلك أنك تتدخل في قصص الآخرين، وتُعرِّف الآخرين، بل وتقدمهم لأنفسهم، بل وتزعم أنهم خبز يديك! والأدهى من كل ذلك أنك تصدر الأحكام عليهم، وعلى العالم، وأنت لا تدري من أنت!

صدقني أن هذا هو الذي يُعَطِّل كل العملية، ويغلق السريان، ويُجَمِّد التجلي، ويؤخر المعجزات.

كيف تُحَسِّن حياتك؟

كيف تعيد تصميم حياتك؟

كيف تتجاوز النسخ غير الخادمة لك؟

وأنت تزعم أنك تعرف من أنت، بل وتُصَنِّم هذه الذات المنتفخة، وتطوف حولها بابتهال، أنت تعبد الهوى والخيال، أنت تُرَاقِص الظلال، اصمت تماماً.

أنت تحتقر ذاتك، تحتقر شيئاً لا تعرفه

الناس تعاملك كما تعامل ذاتك، تصفك كما تصف ذاتك

حديثك الداخلي مسموع، وعلى أساسه يتم استقبالك ورفضك

وقد قيل: ((أطلب القمر وستتفاجأ بعدد المرات التي تحصل عليه))

لا تنتفخ ولا تحتقر ذاتك، أعرف ذاتك، لا أقول وأعرف قيمتك، يكفي أن تعرف من أنت فقط، وسترتفع قيمتك مباشرة بلا أي مجهود ولا كلمات طنانة، وألقاب وأوسمة، الناس يتعطشون لمن يعرف ذاته وكفى، معرفة الذات في هذا العصر شيء ثمين جداً، تأكد من هذا، معرفتك لذاتك هو حياتك، أعرف من أنت وأقول لك من أنت.

تجاربك في الحياة تخضع لتفسيراتك الداخلية، هذه التفسيرات والتوضيحات التي تحتاجها كي تُمَنْطِّق الحياة ويسهل عليك التعامل فيها من وجهة نظرك، تتحول إلى تعريفات لك، إذا تلبستك هذه التعريفات طفحت على جلدك، ورآها الناس في وجهك، وفلتات لسانك، حينها يختبرونك من خلال بعض المواقف والاستفزازات من غير عمد فإذا وافقت ما في داخلك صَدَرَ الحكم عليك وتمت معاملتك على هذا الأساس

لذلك وفي رحلتك داخل ذاتك لاكتشافها، أغلق فمك، أغلق فمك تماماً، فأنت بذلك تربح ذاتك، توفر طاقتك، تتواصل مع ذاتك، تفهم ذاتك أكثر، تعطي الآخرين فرصة ليروك من جديد، تتوقف عن ترسيخ صورتك الأولى.

أبدأ وأنت لوحدك في طريقة الجلوس المريحة والتي تنبأ عن الثقة

طريقة الحديث الداخلي الأنيق

طريقة المشي واللمسات الوئيدة

اللطف مع الذات والحنو عليها، التناغم، السلام، الهدوء.

ستستيقظ حينها بعض الآلام، لا تكبتها ولا تشفق على ذاتك، لا تنتقم، ولا تغضب، فقط تفرج.

لا يدخل جوفك سوى الغذاء الصحي، الماء النقي، الهواء الطبيعي، لا تستمع إلى الأحزان، لا تشاهد المآسي، لا تتحدث عن السلبيات، أغلق فمك.

لكل شخص منا تصور عن ذاته، قد يكون ناقصاً، قد يكون لديه نصف تصور، قد يكون تصوراً مستعاراً، معتقدات قوية بشأن من يكون، ترتب عليها أفعال وردود أفعال.

تخشى الرفض، لا ترى أنك تستحق، تنسحب بسرعة، خائف، متقوقع، المجتمع يعاملك على أساس هذه الرؤية، أنت واثق ستنال الثقة، وبالعكس، (حياتك/تصوراتك).

يردد الناس كثيراً أنهم تنبهوا

وأنهم لن يعودوا لتلك العلاقات السامة

أو الأماكن التي لا يجدون أنفسهم فيها

أو الأعمال التي لا تناسبهم

ولكن الحقيقة أنهم يعودون ليسقطوا مرة أخرى؛ مما يسبب آلاماً فظيعة،

لا بأس أنت على الطريق الصحيح، وهذه الآلام مفيدة، لأنها تخبرك بأنه تبقى عليك شيء لتضيفه:

ألا وهو التحول من الداخل، وليس التعامل مع الأشياء الخارجية، ليست القضية أن تُخرج هذه الشخصية السامة من حياتك

أو أن تحافظ على مساحتك الشخصية واستقلالك

أو أن لا تذهب لأماكن تستنزف طاقتك

أو أن تخرج من الأعمال التي لا تُحب

أو أن تنتصر وتثبت جدارتك

أو أن تكرر كلمات تحفيزية

أو أن تخالط من يوافقك الرأي

أو أن تشعر بأن بإمكانك فعل كل ما سبق متى ما أردت

ولا أن تذهب لجزيرة معزولة لتنعم بكوخ دافئ على ضفاف نهر صغير

ستكتشف حتى ولو فعلت كل هذا آلاماً جديدة، آلامك الجديدة المُفاجأةُ تقول لك:

(عد لذاتك الأصلية، انزع آخر طبقة من طبقات الزيف، كن أنت، أخرج ما فيك سواء كان جيداً أم لا، سواء كان لبقاً أم لا، ولكن في حدود ذاتك، ولا تقتحم حدود الآخرين، أغفر بصدق لنفسك ولغيرك، كن جديداً أصيلاً، اسمح للبذور الكامنة في داخلك بأن تتبرعم، لقد غطيتها كثيراً، فإذا كشفت الغطاء حينها لا يهم مع من، أو أين تكون، أو متى، أنت الجزيرة المعزولة ذات الكوخ الدافئ والنهر الصغير، ولكنك جزيرة متحركة، تجوب العالم برئة نظيفة، وقلب من البلور).

هناك ستختبر حالاً جديدة ومُتراكمة، لن تتوقف عن الصعود، وستتحول كل الآلام إلى درجات في سلم التطور الروحي.

تخيل شجرة تحمل أورقاً كبيرة، وتمر عليها فصول السنة، سيأتي الخريف وتصفر بعض الأوراق، وتسقط وتتفتت إلى غير رجعة

أفكارك التي نضجت لدرجة الاحتراق

علاقاتك التي تجاوزت الحدود

الأماكن التي تغيرت رائحتها

من طبيعة الأشياء التغير، ومن طبيعة الكائن الحي النمو عن طريق التخلص من بعض أجزائه، كما تفعل الفراشة ذات الألوان الزاهية عندما تعاني وهي تخرج من الشرنقة الخشنة ذات الألوان الباهتة، لن تنال الجمال حتى تنزع عنك الأفكار والأشياء التي لم تعد أنت، والتي أدَّت دورها في وقت ما، ثم أصبحت عبئاً يثقل كاهل نفسك وقلبك

المشاكل والآلام ستضمحل، عندما لا تجد ما يغذيها

العمق الأصيل فيك والذي هو في غاية السكون لن تضيع في الطريق إليه إذا بلغته أول مرة، ستعود إليه في كل لحظة يستيقظ فيها الألم عند أي مثير خارجي، كي يضمك هذا السكون إليه ويحنو عليك بيديه، وتنام كالطفل الرضيع بعد وجبة الحليب الدسمة.

في أحيان كثيرة تتورط في:

تعريفٍ لنفسك قام به أحدهم وأنت طفل

أو اختبرته في عدد من المواقف أو الخبرات

فأصبح هذا التعريف مرجعاً لك في تعاملك مع الحياة وردود أفعالك معها، فأنت تنتقص من ذاتك، وتحرم نفسك الفرص، وترضى بالقليل

أو تُفَخِّم ذاتك، وتتبجح كثيراً، وتُنَفِّر الآخرين من شدة انفصالك عن واقعك

حينها تتوقف عن فحص المدخلات، والتفكير في المواقف، لأن الإجابات الجاهزة:

أنا كذا، وهذا الموقف كذا، وردة الفعل هكذا!

وتتسرب الحياة في ثقب أسود يلتهم كل ما يُلقى فيه

والأدهى من ذلك إن نصبت نفسك محلل شخصيات، وفاهم في طبائع الناس، وقمت بتصنيفهم، ومن ثم إطلاق الأحكام العامة على كل صنف، ومن أول ما يبزغ أحد هذه الأصناف في حياتك في مجال تجاري-عملي-عاطفي تُصدر عليه الأحكام مباشرة وتهرب، أو تتخلص منه، أو في المقابل تمنحه كل شيء!

توقف عن فعل ذلك، عد إلى ذاتك، تعرف عليها بتجرد تام، وبمصداقية عالية، فأنت المستفيد.

 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قارب الحياة

التمدد البطيء

الأم تريزا المطرودة "عندما يغيب المنطق"